آلو.. مرحبا حبيبتي. كيف هي أخبارك يا جورج، وكيف هي بلاد العجائب؟ رائعة، وأنا سعيد جدًّا هنا، وقد أنجزت عملي، وبقي لي يومين سأتفرغ فيهما للتعرّف أكثر على هذه المدينة الجميلة. رائع، وماذا عن تساؤلات الطبيب؟ هههه، أحيانًا أشعر بأن توم على حق، عندما قال إذا اقتربت من الأديان ستزهد فيها جميعًا، وإن كنت أظن الأمور بدأت تتضح لي إلى حد ما. الكاثوليكية ستسعدك كلما اقتربت منها أكثر، وروح القدس ستسعدك. دعي عنك هذا، فمايكل المسيحي المتدين هو الذي يحضر لي فتيات المتعة، كلهم سواء مايكل وكاخ وتوم، لم أعد أصدق أحدًا منهم. وجود نموذج سيء لا يعني خطأ الفكرة الأصلية، بل ربما يكون إثبات أن الأصل عدم السوء، فلئن وجد نموذج سيء فهناك العشرات من النماذج الجيدة! صدقتِ، المهم ما أخبار أبنائنا مايكل وسالي؟ هم بخير حال، كلنا مشتاقون أن نراك قريبًا. وأنا أيضًا مشتاق لكم، وأن أراكم قريبًا.
اسمي أورميلا، أنا من دلهي، ومعنى اسمي: الفاتنة أو الساحرة.. أشفقت عليك لما رأيتك تأكلني بنظراتك وأنت جالس لوحدك، فهل تريد أن أخفف عنك وحدتك؟
اسمي جورج، قادم من بريطانيا، وأشكرك على مشاعرك، ثم سكت يغالب نفسه ويريد أن يحسم صراعه؛ فهو يتمنى أن يجلس معها لكن واضح أن الجلسة معها ستستدعي أمورًا أخرى.. آسف لكني مشغول جدًّا، وهذه أول مرة منذ وصولي الهند أجلس فيها وحدي. جميل تواضعك ولبسك وملامحك، هل تود أن نستمتع سويًّا؟ وجميل لطفك، وأنا استمتع بالحديث معك الآن لكني مشغول بعد قليل. عذرًا .. تبدو ساذجًا على سجيتك، أنا لدي شهادة خلو من الإيدز.
فهمت.. شكرًا شكرًا، أنا متزوج. وهل زوجتك معك هنا في الهند؟! لا، هي في بريطانيا. أكثر من يأتي من أوربا وأمريكا بمختلف أديانهم متزوجون، ولكنهم يحبون الحياة والمتعة هنا... فالسحر الهندي مختلف. أشكرك.. أنت ساحرة فعلًا، ولكني أشكرك. أنت غريب ومعقد، ولأول مرة يمر علي مثلك في حياتي، هذه أول مرة أعرض نفسي على رجل ويردني..
مرحبًا جورج، أخبرتني كاترينا بأنك بدأت تزهد في كل الأديان! ومتى أخبرتك؟!! لما اتصلت عليك كنا سويًا، ثم أوصلتها إلى المنزل، أهنئك بها فهي رائعة. وماذا كنتما تفعلان؟ كنا في حفل الكنيسة، ألم أقل لك أني أجري أبحاثي على المتدينين!
وماذا يفعلان؟! هههه، وما أدراني؟
ألو.. مرحبا مايكل. مرحبًا جورج، أخفتني عليك؛ فليس عادتك الاتصال هذا الوقت.
عذرًا لم أنتبه للوقت فقط أحببت أن أطمأن عليك، لعلي أتصل عليك غدًا، شكرًا مايكل. شكرًا لتواصلك، وسأتصل عليك غدًا.
آلو مرحبًا من معي؟ أنا جورج من الهند مرحبًا بالغربي من الشرق، كيف أخباركم؟ بأسوأ حال، كاترينا سهرت ليلة كاملة حتى صباح اليوم مع توم. وكيف تأكدت هكذا؟ من توم نفسه، وقد وضع الصور على موقعه يمكنك الدخول ورؤيتها. وما الجديد؟ أنت تأكدت أنها سهرت معه المرة السابقة؟ نعم ولكن... المهم ماذا ستفعل؟ لا تضعف أمام الشك والحيرة، ركز على أهدافك من الرحلة سواءً أهدافك في العمل أم أهدافك في إجابة التساؤلات. أود أن أنتقم من كاترينا بأي شكل. قلت لك سابقًا لا تجعل أحدًا يتلاعب بك وأنت في فترة ضعفك وحيرتك، وأكرر عليك فنحن في فترات ضعفنا نضعف عن التمسك بمبادئنا، وكلما تمسكنا بمبادئنا أكثر ازددنا قوة. سأستمتع بفتاة هندية أو أكثر، وسأرسل لها الصور لأحرق قلبها كما حرقت قلبي. أنت بهذا تحرق نفسك، الانتقام بهذا الشكل تصرف الضعفاء، وستضر نفسك ومبادئك أكثر مما تضر كاترينا، افترض ـ وربما لا يكون كذلك ـ أنها خانتك مع توم من أكبر متضرر أنت أم هي؟ أنا. بل هي التي أحرقت مبادئها ودينها وسمعتها ونفسها، وأنت لا يضرك شيء، مع أني لا زلت أعتقد أنها ربما لا تكون كما تتوقع. لماذا تدافع عنها؟ ألأنها متدينة مثلك؟! لا أظنها متدينة إن كانت تخونك كما تقول، حتى ولو بدت كذلك، وإن كانت لم تخنك فهذا شيء آخر، ثم لماذا أدافع عنها وأنا لا أعرفها أبدًا؟ ولم أعرف أنها متدينة إلا منك الآن، فأنت كنت تقول لي أنها تشرب الخمر وتسهر فقط، ولم تقل لي أنها متدينة، ثم ما مصلحتي في ذلك؟ ثم أنت الذي سألتني وليس أنا الذي اتصلت عليك! عذرًا آدم فلم أرد أن أغضبك، ولكني متعب جدًّا، قررت أن أنتقم من كاترينا مع أورميلا. أعرف أنك لم تقصد إهانتي، لكن ينبغي ألا تحيلنا الضغوط عن مبادئنا، ومن هي أورميلا؟ فتاة فاتنة عرضت نفسها علي اليوم فرفضت، وكم أتمنى أن أجدها الآن. ولماذا رفضت؟ لأني لم أرد أن أهين مبادئي لنزوة أو رغبة أو شهوة.. أو لأني غبي أبله! والآن أنت مستعد أن تهين مبادئك؟! ماذا أفعل؟ عُد لمبادئك، وابحث عن إجابة لأسئلتك الكبرى، وسِرْ في طريق السعادة، وستصل وتتجاوز محنتك. أنا عائد إلى لندن بعد يومين ويجب أن أقابلك. أنتظرك.
دروس من صديقي الباحث عن السعادة: تعرفت قريبًا على شخص ذي مبادئ يبحث عن السعادة بتلهف، أعتقد أنه صادق في بحثه، لكن الضغوط عليه كبيرة، وقد تعلمت منه ومن قصته فأحببت أن أشارككم بالفوائد الآتية: من أراد السعادة فعليه أن يسعى في طريقها؛ فلا يصل إليها بالمال أو المنصب أو الوراثة، ولكي تصل إلى السعادة لا بد من البذل والإصرار في الوصول إليها. لا يسعد أبدًا ولا يمكن أن يكون سعيدًا من لم يستطع أن يجيب عن الأسئلة الكبرى في حياته (من خلقنا؟ ـ لماذا خلقنا؟ ـ لماذا نعيش؟ ـ إلى أين المصير؟)، ومن لم يستطع أن يحسم هذه الإجابات لن يصل إلى السعادة أبدًا. يُعقد بعض الناس الطريق إلى السعادة ويصعبونه، ثم يقولون: لم نستطع أن نتجاوز هذه الصعوبات، ولو سهلوا الأمور على أنفسهم ويسروها لوصلوا بيسر وسهولة. ينسى بعض الناس أهدافهم بالمشاكل الجزئية والأهداف القريبة الصغيرة، وعند ذلك يسقطون في منتصف الطريق ولا يصلون إلى السعادة أبدًا. لا ينبغي ولا يصح في أثناء الطريق أن نتجاوز مبادئنا، فالمبادئ منارات لا ينبغي تجاوزها، ومن يسعى إلى تجاوزها يحطم نفسه، وتبقى المنارات لا تتغير. متى ما صدق الباحث مع نفسه، وبذل وأصر وصبر تتيسر له من الأمور ما توضح له الطريق. ومازالت الدروس كبيرة سأحاول أن أكملها في مقال قادم ربما يكون قريبًا. تحياتي: آدم
هل تريدها أن تصعد إليك؟
لا أدري! ماذا؟ أنا نازل لها الآن.
أهلًا أورميلا، ما رأيك أن نجلس هناك في ذاك المقعد؟ هههه، لا بأس.
كم شعرت بالسعادة عندما أخبرني موظف الاستقبال بسؤالك عني ورغبتك فيّ. لماذا؟ لأني شعرت أنك أهنتني عندما رددتني، وأني لم أكن جميلة ساحرة في نظرك. لم أهنكِ وإنما شكرتك، ولم أقل أنك لست جميلة بل أنت فاتنة كاسمك. لماذا لا نجلس في غرفتك لنسعد معًا إذن.. ثم غمزت بعينها.
أريد أن نتحدث أولًا. نتحدث في ماذا؟ هل من الممكن أن أسألك أسئلة بسيطة لكنها
تعني لي الكثير؟ وأريدك أن تكوني صادقة جدًّا معي. سأكون في غاية الصدق معك، فأنا لا أعرف لماذا أنت تشدني؟ هل أنت سعيدة في حياتك؟
وعدتك أن أكون صادقة ولن أخلف كلامي، مع أني لم أكن أتوقع مثل هذا السؤال، إن كانت السعادة بمعنى الضحك والابتسامة واللعب والمال والجمال فأنا سعيدة جدًّا جدًّا. أعني في داخلك وفي روحك تشعرين بالسعادة؟ فبعض الناس يضحك وداخله من الحزن والهم الشيء الكبير. وعدتك بالصدق، كأنك تصفني بالضبط، فأنا أهرب من داخلي بالمال والضحك واللعب والجنس، عن مواجهة همي وحزني الداخلي. وما سبب هذا الهم والحزن رغم كونك تمتلكين الجمال والمال والصحة، بل والمتعة؟ لا أعلم، ربما تكون الحياة العبثية التي أعيشها، فحياتي لا معنى لها البتة. وهل تبحثين عن معنى لحياتك؟ أو أن الموضوع لا يهمك؟ لا، فأنا أسوء من أن أجد الجواب، فالجواب معناه السعادة، وأنا لا أستحقها. لماذا لا تستحقين؟ لأني مجرد لعبة جميلة يلعب بي السياح، وألعب بهم من أجل متعة عابرة. ولماذا فرحت لما عرفتِ أني أنا بالذات أبحث عنك؟ فقط لأني فشلت في لعبتي معك، وأنا لم أعتد على الخسارة أبدًا. أتعرفين لماذا كنت أبحث عنك؟ لا، ثم ابتسمت وقالت: لا تقل لي أنك بحثت عني لتسألني هذا السؤال؟! لا، ليس من أجل هذا، بل شككت في خيانة زوجتي مع رجل آخر، فأردت أن أنتقم منها باستمتاعي بكِ. هههه، ألم أقل لك أني مجرد لعبة، تنتقم من زوجتك بنزوة كيدية معي، أأنا سافلة لهذا الحد؟! آسف، بل أنت فاتنة جدًّا، لكن مبادئي كانت تمنعني من أن أفعل شيئا يخالف خلقي وأدبي. والآن ـ حبًّا للانتقام ـ نسيت مبادئك! كم أنا رخيصة في نظر الناس! عذرًا لم أقصد إهانتك لكن هذا هو ما تقومين به. أنت لم تقل إلا الحقيقة! أحيانًا لا ينتبه الإنسان لنفسه، لقد أتممت قبل أسبوعين سنتين وأنا أقوم بهذا العمل، ولم يردني أي شخص عرضت نفسي عليه، كم كنت أشعر بجمالي في نظراتهم، وأشعر برخصي في ألفاظهم وتصرفاتهم عندما ننتهي وأهمّ بالانصراف.. هذه أول مرة يصرح لي شخص بهذا، فيجعلني أواجه نفسي. عذرًا.. أكرر لم أقصد إهانتك أو جرح مشاعرك. ربما.. لكن هذه الحقيقة! ماذا تعنين؟
أحيانًا نهرب من أنفسنا ونخاف أن نراها على حقيقتها. لم أفهم!
العبثية والهروب من الحياة شقاء مهما بدا شجاعة. دعي عنك هذا، وأعتذر لكِ عما قلت. هههه، ستتنازل عن مبادئك انتقامًا من زوجتك، ألهذه الدرجة أنا تافهة؟! ماذا تريدين؟ هل تعنين أنك ترفضين أن نصعد ونستمتع ونهرب من حزننا وهمنا؟ نعم، هذه المرة أنا الذي أرفض.
ما دينك؟ لا ديني لي، وهل يفعل مثلي شخص متدين دينًا صحيحًا؟ زوجتي متدينة، وأظن
أنها تخونني مع رجل آخر! إما أن شكك وظنك في غير محله، أو أنها تكذب وتنافق وهي غير متدينة، أو أنها تدين بدين مشوه خاطئ، هل تتصور أن يكون لي رب يراني ويحاسبني وأجلس أتصيد الرجال.. بالمناسبة أبي وأمي بوذيان، لكني تركت البوذية؛ لتناقضاتها وطبقيتها المقيتة وأصبحت لا دينية. كيف تتكلمين هكذا عن دين آباءك؟ هو ديننا نؤلف فيه ونعدّل كما نريد، لذا إن أردت فلتعتبر اللادينية تعديل حديث في البوذية! بل كثير من التقليعات والموضات الحديثة هي تعديلات على أديان قديمة، فالإبداع حتى لو كان سيئًا ليس له حدود.. سأغادر الفندق وربما لا أعود له مرة أخرى أبدًا. لماذا لن تعودي له؟ لن أعود حتى أجد سببًا يعطي معنى لحياتي ويجعلني أحترم نفسي، أشكرك مرة أخرى. ستذهبين إلى أين؟
هل ما زلت نائمًا؟ ما بالك؟ تنام وتصحو متأخرًا، هل تعلمت من كاخ؟ دعني من هذا، بقي لدي يوم ونصف في الهند، فبماذا تنصحني؟ هناك الكثير من الحدائق، الكنائس، دور العبادة، المتاحف، الأسواق.. ماذا تريد؟ لنقل الكنائس ودور العبادة. لا تنس أن تزور كنيسة سانت جيمس، فهي أشهر وأجمل كنيسة. وماذا غيرها، هل هناك أماكن عبادة للمسلمين والهندوس وغيرهم؟ مع إني لا أحبها، لكن جامع دلهي الكبير الذي بني في ست سنوات رائعة معمارية أيضًا. شكرًا لك، سأتناول فطوري، وسأزور هذين المعلمين. قبل أن تنهي فطورك سأكون عندك في الفندق. لا تتعب نفسك، سآخذ تاكسي. هههه، هذه ليست رشوة، لقد انتهينا من توقيع العقود، سأكون عندك بعد نصف ساعة، تحياتي.
لقد تذكرتك أمس عندما تحدثت مع عامل المطعم الهندوسي. ولماذا ذكَّرك الهندوسي بي؟ هههه، تذكرت كلامك عن جيوتسنا البوذية، يومها قلت لي: لو جلست معها أطول لما فكرت بالعودة إلى الهند مجدّدًا! هههه، فعلا.. فعلا، هذه أديان ألَّفها بشر في فترات التخلف الثقافي والعلمي، فكل دين جاء مفصلًا؛ ليحل مشكلة عندهم، أو ليقرر حقوق وممتلكات طبقة معينة منهم، ولكن بنظرة اليوم هي أديان ساقطة رغم النسخ الحديثة منها.. دعك من هذه الأديان وسأعرفك على كنيسة سانت جيمس التي سنصلها بعد قليل، بناها جيمس سكنر في 1836م، وهي من أقدم الكنائس في المنطقة، وذات طراز معماري فريد، وساحتها من أجمل الساحات.
هي أقدم كنيسة في المنطقة؟! نعم، فهي قبل قرابة 200 إلى 300 سنة. وقبل 300 سنة لم تكن هناك مسيحية في الهند؟! المسيحية في الهند وصلت من طريقين: من طريق توما الرسول في إنجيل يوحنا وهو واحد من رسل المسيح الإثنى عشر في القرن الأول الميلادي، والطريق الثاني: هو الحملات الغربية بين عامي 1500 إلى 1975م، وهي تشكل ثالث الأديان في الهند بعد الهندوسية والإسلام، فالمسيحيين في الهند حوالي 24 مليونًا. فقط! عدد قليل النسبة للسكان. نعم، يشكل المسيحيون 2.3% من السكان، وعلى هذه النسبة تقوم مظاهرات غاضبة من التزايد الشديد؛ حيث يشعر الهندوس أن المسيحية تُفرض عليهم من الخارج بالمال. وهل من المناسب أن يُفرض دين على الناس بالمال؟ هههه، إلى حد ما، حتى نخلص الناس من العقائد الهندوسية البالية.
ما رأيك؟ رائعة حقًا. ألم أقل لك ذلك؟ أين نذهب الآن؟
اتفقنا أن نذهب لجامع دلهي الآن. حسنا! وإن كنت لا أحب المكان، لكن نزولًا عند رغبتك. لماذا لا تحبه؟ المسلمون وحشيون برابرة. كيف؟ هل ألزموا الناس بدخول الإسلام بالقوة؟ الحقيقة أنهم لم يلزموا أحدًا في الدخول في دينهم البربري. إذن أغروهم بالأموال كالمسيحية؟! أفهم تلميحاتك، ولا هذه أيضًا. وكيف دخل الناس إذن في هذا الدين؟ آه.. قَبِل الناس هذا الدين أولًا من التجار العرب الذين جاءوا للتجارة في الهند. أي قبل الناس الإسلام محبةً فيه، لا إجبارًا لهم في ذلك! نعم للأسف، هذا صحيح فيبدو أنه من السهل خداع الناس والتلاعب بهم، فهروبًا من الطبقية الهندوسية المقيتة كان الناس يدخلون في الإسلام عند أول احتكاك لهم بالتجار العرب، حتى جاءوا غازين بعد ذلك. غازين؟! نعم، كانت أول الغزوات جاءت مع شخص يسمى محمد بن القاسم الثقفي، في سنة 700م تقريبًا. أي منذ حوالي ألف وخمسمائة سنة! وازدادوا حتى أصبحوا الدين الثاني في الهند. كم عددهم؟ أكثر من 180.000.000 شخص، وهو ما يعادل 14.5% من السكان. نسبة كبيرة! هذا يعني أنه لو لم تنفصل باكستان وبنغلادش ربما كانت الهند غالبيتهم مسلمين؟! نعم، لكنهم شعروا بالظلم من الهندوس فقامت ثورات كان نهايتها انفصال باكستان، ثم ابتسم وقال: وهذا أفضل لنا، فقد حكم المسلمون الهند من عام 1001م، ودام حكمهم 300 سنة تقريبًا. ألزموا الناس خلالها بالإسلام؟ لا، لكنهم كانوا ظلمة، بنوا القصور الفارهة الضخمة من كد المساكين الضعفاء. ذكر لي ذلك مطيع الرحمن عندما كنا في زيارة تاج محل! هذا من إنصاف مطيع، فقد ظلموا الناس في أرزاقهم وإن لم يجبروهم على دينهم، عمومًا كل الممالك التي مرت على الهند كانت ظالمة، ومن باب العدل ربما كان المسلمون من أعدل من حكم الهند ولم يُسقط دولتهم إلا الإنجليز بمسمى شركة الهند الشرقية بوحشية غريبة، فقد ثار الناس الهندوس والمسلمون عليهم. هذا يعني أن الهندوس يحبون الحكم الإسلامي؟ هههه، للأسف نعم، فلم يكن كل الحكام المسلمون ظالمين، بل الظلم وقع في آخر حكمهم، كما أن الحكام المسلمين ـ على ظلمهم ـ كانوا أعدل من شركة الهند الشرقية البريطانية.. آمل ألا يغضبك ذلك. التاريخ يُروى كما هو ولا يصاغ كما نريد. استمرت الثورة على بريطانيا حتى أسروا الملك المسلم وقتلوا أولاده، وقدموا رؤوسهم على مائدة الطعام، ثم حاربوا الإسلام وألغوا التعليم الإسلامي ونهبوا ثروات الهند. أي وحشية هذه.. أين حقوق الإنسان؟! حقوق الإنسان يمكن أن نسمع عنها في المؤتمرات واللقاءات، أما الواقع فشيئًا آخر، المهم اقتربنا من الجامع الذي كان مقر اجتماع الثوار على الإنجليز، وفيه أفتى علماء المسلمين بوجوب الجهاد؛ وعلى هذه الفتوى تحرك الناس بعد ذلك.. يسمى مسجد جهان نما أو مسجد جاما، وقد أخذ بناءه وقتًا طويلا، واكتمل في عام 1656م، أمر ببنائه الإمبراطور المغولي شاه جهان، وهو من أكبر مساجد آسيا؛ حيث يتسع لـ 25000 مصلي. جامع عريق إذن!
ربما، وهو مبني على الطراز المغولي بثلاث قبب، وها هو أمامك فقد وصلنا.
هل تريد الذهاب إلى مكان آخر؟ شكرًا، ربما يكون الوقت متأخر قليلًا. لكنك لم تعدل! لماذا؟
رأيت كنيسة ورأيت مسجدا، ولم ترَ معبدًا هندوسيا! كنت أود ذلك لكني أتعبتك. المعبد قريب من طريقنا، فهل تود رؤيته؟ بالطبع، إذا كان ذلك لن يؤخرك عن مشاغلك، فأنا سفري غدًا وسأتفرغ فيه لجمع حقائبي ولن أخرج كثيرًا. اسم المعبد أكشاردام، ويزوره كل يوم الآلاف من السكان المحليين والسياح الدوليين، وهو أكبر معبد هندوسي في دلهي، بدأ بنائه عام 2000م، وانتهى عام 2005م، فهو معبد حديث لكنه روعة معمارية، نقشت فيه آلهتهم على الجدران. نقشت الحيوانات وغيرها؟ هههه، نعم، تم نقش آلهتهم؛ مثل الحيوانات والراقصات، بل هناك فيه 20000 تمثال، ألم أقل لك الأديان الأرضية مضحكة، يبدو لي أنهم كلما تعجبوا من شيء أو أعجبهم شيء جعلوه إلهًا! أنت في بلاد العجائب على كل حال، فهنا من يعبد الفئران ولها معابدها، ومن يعبد الثعابين والأفاعي ولها معابدها، على كلٍّ قد وصلنا للمعبد الهندوسي. يبدو مبنى رائع الجمال. صحيح، فقد بُني بالحجر الرملي الوردي ولم يستخدم في بناءه الصلب أو الخرسانات، ومنقوش بزخرفة عالية، لننزل ولنسرع حتى لا تتأخر عن الفندق.
مبنى رائع، أما التماثيل وكثرتها فهي شيء مشين! نعم.. صدقت. العجيب أنه حتى الكنيسة فيها تماثيل، أما المسجد فلا تماثيل فيه! لكن تماثيل الكنيسة لليسوع وليست لحيوانات. ههه، صدقت، على كل حال أشكرك لقد كانت الجولة اليوم رائعة جدًّا.
«صديقي آدم.. أنا شاكر لك نصيحتك وأعتذر عن سوء حديثي. وأصدقك القول: لقد استفدت من نصيحتك كثيرًا، وقد تجاوزت حب الانتقام الذي كان مسيطرًا عليّ، وركزت على قضيتي الكلية ولم أتشتت بقضايا جزئية، وقد أصررت وبذلت لذلك يومي كله، وأستطيع أن أجيب على سؤالك وسؤال الطبيب بوضوح: الديانات الأرضية لا تجيب على أي سؤال؛ فهي مجرد آراء بشر لم يخلقونا، فكيف يعرفون لماذا خُلقنا؟.. أكرر شكري لك، وأنا قادم غدًا، وسأسعد بلقياك وأشكرك مرة أخرى. صديقك جورج”.
مرحبًا سيدي. مرحبًا بك، لقد أطلت عليك سابقًا، ولكن لدي أسئلة أخرى إن سمحت؟ لا بأس، تبدو مهتمًا بالهندوسية.. وهذه موضة غربية جديدة. وهل الهندوسية موضة؟! نعم الهندوسية والبوذية موضة عندكم في أوربا وأمريكا، وهم عادة يأتون إليها فرارًا من المادية البغيضة التي حولت الناس إلى آلات فيريدون شيئًا من الروحانية والأخلاق ولا يعرفون عنها أكثر من ذلك. جيد وواضح، لكني أريد أن أسألك سؤالًا؛ وهو هل أنت والهندوسيين بصفة عامة سعداء؟ ربما كان البراهمة الذي يستغلون الناس سعداء، وإن كنت لا أظن ذلك، أما أنا فمن الشوادر أي الخدم، هذا من جهة الطبقات، أما من جهة العقائد؛ فنحن نهرب من عقائدنا وكثرة آلهتنا بعمليات روحية أخلاقية تتجرد من الدنيا ومن الإله أيضًا، ألم تسمع عن غاندي؟ بلى، شخصية رائعة. ومتمردة أرادت أن تتمرد على الهندوسية؛ فقتله المتعصبون منهم. ولماذا يتمرد على دينه؟ لأنه لا يمكن أن نعيش أسوياء بكامل عقيدتنا، عذرًا ربما تكون ـ حسب الموضة ـ معجبًا بالهندوسية وأنا أفسد عليك ذلك. ولماذا لم تغير دينك؟ أنا ولدت لوالدين هندوسيين.. ثم ابتسم وقال: ولا أريد أن أتمرد حتى لا أكون غاندي آخر. هل تقبل مني هذا المبلغ هدية؛ فقد أخذت من وقتك الكثير؟ شكرًا لك.
مرحبًا جورج، أنا كريم الله. مرحبًا كريم الله. جئت بالأمس لأسلم عليك ولم أجدك، فوضعت في الاستقبال العقود مختومة من السفارة البريطانية في الهند كما اتفقنا، متى سفرك؟ شكرًا جزيلًا كدت أنساها، سأطلبها منه الآن، سفري بعد ساعتين.. هل تود أن أوصلك إلى المطار؟ شكرًا، فقد اتفقت مع الفندق أن يأتي لي بسيارة. العفو، أنتظر صورة من العقد مختومة من السفارة الهندية في لندن، أستودعكم الله.