«حبيبي جورج لا أدري لماذا رغم قصر المدة على سفرك شعرت بأنني مشتاقة إليك كثيرًا، بل ومحتاجة إليك كثيرًا، ولا أستطيع الانتظار لشهر لقدومك، فلدي مشاكل وحيرة وأنا في حاجة ماسة إليك، ويكفي لأصف لك حيرتي أن أخبرك بأني أنا الكاثوليكية المتدينة بكيت وأنا أسمع ترجمات للكتاب المقدس للمسلمين الذي يسمونه القرآن، أنا أعيش حالة اضطراب شديدة، أنا محتاجة لك. محبتك كاترينا».
«حبيبتي كاترينا أعتقد أني سأعود قريبًا، فموعد الأمس كان سيئًا جدًّا، ومثالًا سلبيًا للمسلمين، لا أدري هل المشكلة في المسلمين أم في دينهم؟ لكني أكره مصطفى الذي كان موعدي معه بالأمس، سأحاول أن أعود خلال أيام فصلِّي من أجلي، فأنا لا أريد أن أفشل في التحدي مع كاخ. محبك جورج»
«عزيزي جورج وصلتني رسالتك، وفرحت بأن رأيي في سرقة المسلمين كان صحيحًا، وإياك والتعجل مرة ثانية، وبالنسبة إلى وضع المرأة فليس به أي إشكال، إنما إشكالي الرئيس في الحرية في الإسلام! فإن كان لك رؤية أو رأي فأفدني. جانولكا»
«عزيزي جانولكا ربما تستغرب أني خلال الفترة القصيرة غيرت رأيي!! نعم ليس في الإسلام ظلما للمرأة، بل جاء الإسلام بما يناسب تركيبتها وطبيعتها، وإن كنا لم نعتد على ذلك في مجتمعاتنا الأوربية فهو نظام مختلف بالكامل، فقد تناقشت في الموضوع كثيرًا وتأكد لي ذلك، ولكني لم أقرأ أو أناقش في موضوع الحرية، فإن كان لديك شيء فأرسله لي وسأرسل لكل المجموعة كذلك، وسأحاول أن أحاور في ذلك وأقرأ أيضًا جورج».
عفوًا من ينتظرني؟ تنتظرك فتاة شابة. من هي؟ أخبرتني بأنّك تعرفها، ولكنها لم تذكر اسمها. حسنًا أنا نازل لمقابلتها الآن.
ماذا تشربين؟ لا شيء، ولن أطيل عليك أريد مناقشة أمر معك.
تفضلي.. أنا التي كانت بالأمس تريد أن تهرب من الأسئلة التي تدمرها وتقتلها من الداخل! أنا التي أهنتني بالأمس! أنا الأرثوذكسية الهاربة! أنا الصامتة المثقفة كما تقول، أنا متعبة..! أتذكرك جيدًا، لكن ما هو المطلوب مني؟ ألست جميلة؟! بلى جميلة جدًّا، بل هو الجمال الشرقي الفاتن! لكن هل جئت لأقول لك أنك جميلة؟! ولماذا إذن أهنتني بالأمس؟ أنا لم أهنكِ، كنت أسألك وأناقشك فحسب. لقد ذكرت أنه أتعبتك الأسئلة مثلي! وأنّ الهروب لن يحل مشكلة الأسئلة! فهل لك أن تخبرني عن إجابة هذه التساؤلات المنهكة؟ هل جئت لذلك؟ نعم! ولو قلت لك أني لم أجد جوابًا، بل كدت أنتحر بسبب هذه التساؤلات! إن كان ما قلته صحيحًا فهذا دليل ذكائك. كوني لم أجد جوابًا دليل ذكاء! بل أعني عدم هروبك هو دليل الذكاء. ولماذا تهربين أنت إذن؟ نحن بشر ونمر بحالات ضعف.
لكن ألا يوجد إجابة حقيقية لهذه التساؤلات؟ بلا شك يوجد. كم أتمنى أن أصل إليها وأن أعرفها. أما أنا فأعرفها لكني أجبن منها. تعرفينها؟! نعم، لكن لا يحقق الإنسان ذاته ولا يسعد في حياته ولا يغير من نفسه إلا بأن يكون شجاعًا مع نفسه. لم أفهم ما تقولينه! أحيانًا يبقى الفقير فقيرًا؛ لأنه يخاف أن يخسر لو فتح له تجارة، وأحيانًا يبقى العازب عازبًا؛ لأنه يخاف أن يتزوج، وأحيانًا يبقى الجاهل جاهلًا؛ لأنه يخاف أن يتعلم. صحيح وواضح، لكني لم أفهم عن ماذا تتحدثين! أنا أعرف إجابة مريحة جدًّا لهذه التساؤلات لكني ربما أُقتل أو أُسجن، لذا بقيت كما أنا. أما أنا فلن أجبن!.. أخبريني ما هي؟ أمتأكد أنك شجاع لهذه الدرجة؟ ربما، أخبريني بلا فلسفة كبيرة لو سمحت. كنت أقول مثلك، لكني في الأخير جبنت، وعدت أفكر في وسائل الهروب. دعيني أجرب شجاعتي إن اقتنعت بما تقولين! أين أجد إجابة تساؤلاتي؟ جئتك لأعرف منك كيف تجيب عن تساؤلاتك، لا لأعرفك كيف تجيب عن تساؤلاتك! ولكني انقلبت طالبًا، تفضلي أخبريني. ربما ما أقوله لك سيغضبك، لكني بعد طول تفكير وبحث لم أجد غيره، ما الذي يمنعك أن تكون مسلمًا؟
آسفة يبدو أني أزعجتك، كنت أتمنى أن يكون لديك جوابا آخر، كل ما أتمناه ألا يكون صمتك خوف وجبن مثلي! عفوًا.. كنت أفكر فقط! في ماذا؟ في سؤالك. أعرف الجواب مقدمًا.. أنت خائف. خائف من ماذا؟ خائف ممن حولك.. خائف من نفسك. لا لست خائفًا.. ولكن هل يمكن أن تخبريني أولًا: لماذا كل هذا الخوف عندك من الإسلام؟ لست خائفة من الإسلام! إذن خائفة من ماذا؟ من أهلي، تُوفي أبي وانتقلت مع أمي للعيش في بيت خالي، وأنا أعرف أني لو أسلمت لجنّ جنونه، ولربما قتلني! لماذا؟ أهلي يعتقدون أن المسلمين يخدوعننا. ربما يكون ذلك صحيحًا! يحرص خالي على التقائي وجلوسي مع المسلمين المنحرفين، أكثر من جلوسي حتى مع المسيحيين، فقد تناقشت مع كثير من المسيحيين ويقولون أني هززت الدين في نفوسهم، ولذا يحرص خالي أن أجلس مع المسلمين المنحرفين عن دينهم لأنهم أسوأ من المسيحيين. مثل مصطفى؟ نعم، كم أكرهه. لكن أليس هو مثال للمسلم؟! بل مثال جيد للفاسدين المنحرفين، سواءً أسميت علمانية أو ليبرالية أو شيطانية.. لكن أجبني ما الذي يمنعك من الإسلام؟ عذرًا، أود أن نكمل أولًا ما سبق، ولماذا قد يقتلك خالك إن أسلمت؟
حتى لا تتكرر حالات ترك المسيحية! هذا متعارض مع أبسط حقوق الحرية الدينية! أي حرية! أنا مسيحية مثلك، هل لديك حرية ألا تؤمن بأسرار الكنيسة التي يرفضها العقل؟! هل لديك حرية أن تؤمن بأن المسيح لم يكن إلهًا كما هو في بعض نسخ الكتب المقدسة؟! دعيني من هذا الآن، أنا لدي موعد الآن وقد لمحت صديقي من فترة، وهو جالس ينتظرني هناك، لكني أود أن نكمل نقاشنا فيما بعد! وأود أن أعرفك على صديقي المسلم، إن لم يكن لديك مانع. أتوقع أنك تهرب من إجابة السؤال الذي سألتك خوفًا ونقصًا في الشجاعة مثلي، لكن الأمر إليك.. يسعدني التعرف على صاحبك.
هذه هي ديانا التي تريد أن تسلم. مرحبًا يا ديانا أنا جمال من الإسكندرية، ويسعدنا إسلامك. وأنا أيضًا من الإسكندرية، لكني أرثوذكسية، ولم أقل لجورج أني أود أن أسلم، بل قلت له أن حلول كثير من تساؤلاتنا المقلقة في الإسلام. جيد.. وهذا يعني أنك تريدين الإسلام، لأنه لا يوجد أحد يود القلق والكآبة أو لا يود الإجابة على تساؤلاته. صحيح.. ولهذا كنت أسأل جورج: لماذا لم يسلم؟ وأنا لم أجبها.. لكني تفاجأت من قسوة المصريين، فديانا تقول بأنها لو أسلمت لسجنت أو قتلت!
تنهدت ديانا بحرقة... آه آه، أرجو ألا تتهم المصريين! أنتم في أوربا وأمريكا أقسى منا بمراحل، هل نسيت ما فعلتم في العراق في «أبو غريب»، إن القسوة والعنف والسادية في أظلم وأسوء أشكالها، وخاصة على النساء لديكم أنتم في الغرب، هل يمكن أن تنكر أن المرأة تتعرض للضرب ستة أضعاف الرجل لديكم، هل تنكر أن 33% من النساء في أمريكا يُضربن، هل تنكر أن لديكم في بريطانيا 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن دون أن يكون هناك سبب لذلك! أراكِ غضبتي وانزعجتي من حديثي! لا، لكني مصرية أدافع عن بلدي من تهجمك. جميل حب الوطن.. جميل جدًّا! لكن حب المبادئ أولى، ورغم قناعتي بساديتنا وقسوتنا في الغرب، إلا أني استغربت أن يوجد ذلك عندكم، ولكننا أفضل منكم في الحرية الدينية، فبإمكانك أن تكوني مسيحيَّة أو مسلمة أو يهوديَّة أو بوذيّة وبلا أي إشكال.
هههه، ولهذا منع النقاب في فرنسا!! ولهذا منع الأذان وبناء المنابر في سويسرا!! عن أي حرية تتحدث؟ صدقت يا جمال، لكننا لا نقتل أحدا أو نحبسه لو أراد أن يسلم؟! ولا نحن نقتل من أراد أن يسلم! صدقت يا جمال.. أعتقد أن هذا جزء من التعصب المسيحي في بلادنا، لكن أليس الإسلام كذلك انتشر بالسيف والقوة؟
من هو قائد الجيش الذي أسلمت به إندونيسيا أو نيجيريا أو أثيوبيا أو تنزانيا أو غيرها؟ أكثر الدول الإسلامية أسلمت بالدعوة بلا سيف والتاريخ يثبت ذلك، بل لم يجبروا أحدًا على الدخول في الإسلام.. عذرًا أليس المسيحيين في هذه البلاد تحت حكم المسلمين لقرابة 1400 سنة مَن أجبرهم على الإسلام؟ ألم يكن الهنود تحت حكم الإسلام لأكثر من 1000 سنة فهل أجبروا على الإسلام؟ هل أجبروا النصارى في الأندلس أو ما يسمى الآن إسبانيا على الإسلام أم أن النصارى هم الذين أجبروا المسلمين على التنصر أو القتل في محاكم التفتيش بعد ذلك؟!
لقد تأخرنا جدًّا، وقد أحببت أن أعرفكما على بعض.. ديانا هذه بطاقتي، وأريد منك رقم هاتفك. تفضل بطاقة أعمالي، وهذه لك يا جمال. سأتصل عليك إذا لم يكن عندك مانع لنكمل نقاشنا، ربما اليوم أو غدًا. المهم ألا يعرف خالي، فأصبح مثل وفاء قسطنطين أو كريستين مصري أو ميرنا عادل أو غيرهن.. وتذكر أنك لم تجب على سؤالي حتى الآن! سأتواصل معك اليوم أو غدًا، وسأجيبك رغم صعوبة السؤال! نستأذنك الآن.
ما الأسماء التي ذكرتها ديانا في الأخير؟
تعني وفاء قسطنطين وكريستين وميرنا وغيرهما؟ هن مسيحيات أسلمن فخطفن وعذبن وبعضهن قتل! فتخاف أن تصبح مثلهن. قسوة وعنف، المهم أود أن أنهي عملي في القاهرة غدًا؛ لأعود لبريطانيا لأيام وأعود مرة أخرى للقاهرة فلدى زوجتي بعض الظروف التي أود أن أكون فيها معها. جيد، اليوم موعد الشركة الأخيرة، ثم اتخذ قرارك ولو بشكل أولي في ترتيب ما تريد. نعم، هذا ما سيكون، لكني أود وضع آلية للمتابعة واستمرار العمل بعد سفري. بعد المقابلة مع الشركة الأخيرة قد تكتشف أن أحدهم يصلح لذلك.. قد اقتربنا، متى تريدني أن أعود إليك؟ ندخل سويًّا ونقرر بعد ذلك.
تفضلا الدكتور خالد في انتظاركما.
بناء على المراسلات التي بيننا أتوقع أن هناك عددًا من الأفراد المختصين يمكن مقابلتهم اليوم؟ نعم هناك أربعة أشخاص اليوم، ويمكن مقابلة غيرهم غدًا إن أردت، فأنا فصلت بين الفنيين التقنيين وبين المختصين في إدارة المعرفة والتكنولوجيا. رائع.. ماذا عن المختصين في إدارة المعرفة أو إدارة التكنولوجيا؟ كما ذكرت لك هم أربعة ستقابلهم اليوم، وأعتقد أن بإمكانهم أن يقابلوا التقنيين نيابة عنك إن اقتنعت بهم، وعمومًا هم تقنيين ومبرمجين أيضًا لكنهم درسوا ومارسوا إدارة العمليات التقنية والبرمجية. متى يمكن أن أقابلهم؟ بعد أن تشرب الشاي يمكنك أن تقابلهم، فرديًّا أو جماعيًّا إن أحببت. أريد مقابلة الأربعة سويًّا لو سمحت. كما تريد، سأتأكد من جاهزيتهم حتى تشرب الشاي.. تفضل هذه سيرهم الذاتية فمن الجيد أن تتعرف عليهم قبل بدء المقابلة، أستأذنك دقائق.
إن كنت انتهيت، فسأدعوهم للدخول إليك في غرفة الاجتماعات. أنا جاهز. حسنًا جورج، أنا ذاهب، متى تريدني أن آتي إليك؟ شكرًا جمال، لا أظن أن الموضوع سيطول أكثر من ساعة، سأكون في انتظارك؛ فلدي مكان أود أن نذهب إليه سويًّا. حسنًا إلى اللقاء..
لا أود أن أطيل عليكم وعلى المهندس جورج، أنا شرحت لكم ما يريد، وقد نظر في سيركم الذاتية، واختصارًا للوقت سيكون الاجتماع جماعيًّا، تفضل جورج.
أنا معجب بسيركم الذاتية جميعًا، وقد قرأت سيركم الذاتية وهي معي الآن، ليخبرني كل شخص ماذا يمكن أن يقدم لشركتنا، ولماذا وافق عليها؟
أليس لديكم مشكلة في أن يكون مديركما مسيحي؟ وما المشكلة أنت مسيحي أيضًا؟ أمير صديقي من أيام الثانوية، وسأقولها أمامه هو أحق بالإدارة، أتمنى له الإسلام، ولكن إن لم يسلم فسيظل صديقي. ليس لدينا إشكالاتكم الغربية مع المسلمين، وكنت أعتقد أن مازن أقدر مني على الإدارة. أنا لدي موعد بعد قليل، أريد منكم أن تكملوا اجتماعكم وتضعوا الخطوط العريضة لخطة متكاملة لتأسيس العمل وإدارته للسنة الأولى، ونتقابل غدًا صباحًا لوضع ومراجعة واعتماد الخطط الأولية وبدء العمل، كما أبشركم بأني قابلت مجموعة جيدة من الموظفين التقنيين المتميزين في مكتب التوظيف العالمي. الذي يديره د. جرجس؟ نعم، أمير... هل تعرفه؟ د. جرجس صديقي أنا ومازن.. ولديه طاقم عمل مميز. كما أني لدي مبرمجة مميزة جدًّا قابلتها في مكتب آخر اسمها ديانا سامح. ههه، ديانا سامح المبرمجة؟ هل تعرفها؟ بنت أختي. هل أنت خالها؟ نعم. غير ممكن! ما هو غير الممكن؟! لا بد أن أقابلك اليوم مساء، هل تقبل أن أدعوك لوجبة العشاء الساعة السابعة؟ نحن جميعًا؟ لا، أريدك في أمر خاص ليس له علاقة بالعمل. حسنًا، أين؟ في الفندق الذي أسكن فيه، تفضل هذا عنوانه.
أريد أن تذهب بي لمكان ولا تعترض عليه؟ لا بأس.. إلى أين؟ أريد أجلس مع الفقراء والبسطاء وعامة الناس في البلد وأتحاور معهم. طلب غريب جدًّا، لن أعترض ولكن هل لي أن أعرف لماذا؟ أود أن أسمع منهم بعض الأشياء، وأتعرف على الناس كيف ينظرون للحياة. سبب وجيه. بالمناسبة: أنا تعرفت على خال ديانا الذي سيقتلها لو أسلمت ولدي فكرة. أين تعرفت عليه؟ هو من رشحته ليكون مدير الشركة! قطعًا لا يصلح شخص مثل هذا، لماذا التعصب يا جورج؟ لم أعرف أنه خالها إلا بعد أن قررت واتفقت معه أن يكون مديرًا. هذا عيب ونقص أخلاقي يمكن أن يجعلك تغير رأيك. صدقت، وهذا ما سيكون لكن بعد أن أقوم بتجربة ستراها مساء؛ فأنت مدعو للعشاء في الفندق معي. ماذا تقصد؟ سترى مساءً. حسنًا، ها قد وصلنا لحي شعبي.. أريد أن أزور شخصًا في بيته. تزور شخصًا في بيته! لا بأس أنا أعرف واحدًا لكن في الجهة الأخرى من الشارع، دعني اتصل به أتأكد من أنه موجود وأنه يقبل زيارتنا. حسنًا، وأنا سأتصل بديانا.
لا بد أن نشتري غداء ونأخذه معنا. لماذا؟ لأنه لا يليق أن نأتي وقت الغداء ولا يضيفنا العم سعيد، وأنا أعرف أنه لا يستطيع أن يضيفنا فلماذا أحرجه؟ جيد، لنشتري غداء فاخرًا جدًّا مع حلويات وكل ما هو مناسب.
تفضلا. تفضل أحضرنا هذا الغداء معنا. أنا شاكر لكما، ولكن لم يكن لذلك لزوم؛ فأنا تجهزت لإكرامكما، دقيقة أدخله للداخل ليجهزوه لنا.
تفضلا، شرفتمونا. جمال.. اسأله ماذا يتمنى من هذه الدنيا؟ الستر والعافية يا ابني.
وهل هو سعيد في حياته؟ يا بني فضل ربنا علي كبير، أنا في بيت وعندي أولادي، وأجد كل يوم لقمة عيشي، عاوز إيه أكتر من كده. ألا يتمنى المال والغنى؟ يا رب ارزقنا وزدنا، ولكن ليس المال فقط، ربنا يزيدنا في المال والصحة والطمأنينة. اسأله ماذا يريد بالطمأنينة وماذا يعني؟ يا جمال اسأل صاحبك كيف يعيش؟ من لم يفهم الطمأنينة فحياته نكد. إذا سمحت أعد سؤالي، كيف ومتى تشعر بالطمأنينة؟ أجد الطمأنينة لما أشرب الشاي مع أولادي في العصر، ولما أحط جنبي على الفراش بالليل وأنا لم أعص ربي وقمت بالحقوق التي علي، ولم أؤذ أحدًا، قل له يا بني: ألا يحس بالطمأنينة بعد أن يصلي؟
أنا آسف أخشى أني تجاوزت في الكلام وأنتم ضيوفي، ومن حقكم الإكرام. ليس بالضرورة أن يعتذر، بل أنا الذي أعتذر عن الجواب وإن سمح لي فليعذرني عن الجواب، وأود أن أسأله سؤالًا أخيرًا، اسأله لماذا يعيش؟ أسألتكم غريبة! هل هناك أحد لا يعرف لماذا يعيش؟! يا ابني نحن خلقنا ربنا للعبادة، وهو الذي يرزقنا وبيده الفضل والكرم كله، لكني لم أفهم لماذا شرفتموني بالزيارة. قل له لنستفيد منك ونتعرف عليك. ربنا يبارك فيكم.
جمال اسأله لماذا لا يأكل من الأكل الذي أحضرناه؟ حتى أتركه لكم فأنتم ضيوفي.. رغم أنكم أنتم الذين أحضرتموه، والحقيقة أنا أجد نفس متعة ما تجدونه في طعامكم في طعامي البسيط، إذا كان الإنسان سعيدًا معافى فكل أكل لذيذ وكل الحياة سعيدة ولله الحمد.
يبدو أني أتعبتك، لكني أود زيارة كنيسة أو مواطن بسيط مسيحي! إذن لننزل فجار العم سعيد مسيحي، هل تريدني أن أخبره أن يستأذن منه؟ جيد.
تفضلا. أين؟ عند جاري.. كلمته وأخبرته أنكم عند الباب فرحب.
تفضلوا صابر يغسل وجهه أيقظته من النوم وسيأتي الآن. دقيقة سأذهب إلى بيتي لأحضر شيئًا. جمال هل أنت متأكد أنه بيت نصارى؟ نعم، حسب كلامهم. ولماذا إذن تغطي المرأة رأسها؟ رغم معرفتي الإجابة لكن أفضل أن تسمعها منهم.
أخبرت جاري ألا يجهز شيئًا فكل شيء جاهز عندي، ونحن فاجأناه بالزيارة، وضيوفي ضيوفه. شكرًا لك على الأكل والقهوة وعلى إحضار الضيوف. جمال، اسألهما أنتما جيران منذ متى؟ سعيد صاحبي منذ كان عمري 12 سنة، عندما كان أبي وأبوه جيران. لكنكما لستما على دين واحد! صحيح لكننا جيران وأصدقاء.. كل يوم ينصحني سعيد ويريدني أن أسلم. اسأله: ما رأيه بالإسلام والمسيحية والعلاقة بينهما؟ يا بني اليسوع ومحمد كلهم رسل من الله، وأنا وأبويا مسيحيين وسعيد وأبوه مسلمين من زمان والعلاقة بيننا حلوة من زمان. اسأله ولماذا لم يسلم؟ بما أنه يؤمن أن محمدا رسول من الله؟ هههه، وسعيد أيضًا يؤمن بأن عيسى رسول الله فلماذا لا يتنصر؟! لأن المسلم يؤمن بأن عيسى رسول الله، لكن المسيحي لا يؤمن بأن محمدًا رسول الله. نفس كلام سعيد، تريد الحقيقة يا بني؟ أنا خائف أترك ما كان عليه أبي وجدي، وإلا فأنا مقتنع بما يقوله سعيد، وهو أحب إلي من أولاد عمي، لكن عندي سؤال هو أنت مسيحي أو مسلم؟ ممكن أحتفظ بالإجابة لنفسي من أجل الوقت، لدي سؤال آخر، زوجتك لماذا لبسها كالمسلمين؟ لبس زوجتي كلبس كل المصريات مسيحيات ومسلمات!! المسيحيات عندنا في أوربا لا يغطين رؤوسهن. الذي أعرفه أن عندكم في أوربا النساء يغطوا رؤوسهم بل وأحيانًا وجوههم، ولم يحدث التغيير إلا في القرون الأخيرة، وإلا فانظر في جداتك أو أمهاتهم! ونحن كذلك، لكن البنات الصغار وخاصة المسيحيات يحبون تقليدكم وليته كان في شيء جيد. لماذا وخاصة المسيحيات؟ لأن الدين عند المسلمين يصبغ ويغير الحياة، والمعصية والخطأ لا يذهبها إلا التوبة، بينما عندنا المسيحيين يغير حياة الإنسان لما يكون في الكنيسة.. ويكفي عندنا أن عيسى خلصنا من جميع ذنوبنا، فالمسألة سهلة. اشكرهما لا بد أن ننصرف حتى لا نتأخر على الموعد في الفندق.
هل حققت ما تريد؟ نعم.. فذهني يكاد ينفجر الآن، لا أعرف.. أشعر أن بداخلي بركان ينفجر، ولولا الموعد مع ديانا وخالها لحاولت أن أطيل الجلوس مع هؤلاء البسطاء؛ فهم يعبرون عن الحياة ببساطة عميقة، جمال اسمح لي.. أشعر بعدم الرغبة في الحديث. حسنًا.
" "
اقتربنا من الفندق، وقد دعوت ديانا وخالها إلى العشاء. وماذا تريد أن تفعل؟ سأجعل المرأة تدخل في الإسلام، وتتجاوز مشكلة خالها. رائع لقد أصبحت داعية للإسلام، ولكن أنت متى ستسلم؟ مثلما قلت للعم صابر.. أنا أحتفظ بالإجابة لنفسي، فرأسي يكاد ينفجر من السؤال، أو ربما أريد أن أهرب منه، لا أدري.... وكيف ستدعوها للإسلام أيها الداعية؟! شكرًا لسخريتك مني! هي تريد أن تدخل في الإسلام لكنها خائفة من خالها، ولذا سأزيل هذا الخوف. كيف؟ سترى، فقد وصلنا. المهم ألا تثير مشكلة لديانا مع خالها. وصلنا في الوقت سأصعد أضع حقيبتي في الأعلى، وأنزل لكم سريعًا في المطعم.
لقد صعد جورج ليضع حقيبته وسينزل الآن. أنا لا أعرف ماذا يريد، فبمجرد أن عرف أني خال ديانا أصر علي أن أتعشى معه، فهل تعرف ما يريد؟ ربما ديانا تعرف..! أنا لا أعرف شيئًا، أخبرني في الصباح أنّه سيتصل بي ليجيبني عن سؤالي لماذا لم يسلم؟ وفوجئت بأنه دعاني للعشاء!
أعرفكم على بعض.. أمير المدير الإقليمي لشركتنا في مصر، وهذه ديانا مبرمجة شركتنا المتميزة، وهذا صاحبي المسلم ليس مبرمجًا لكن تخصصه هو أبو البرمجة، أعني الرياضيات. خالي مدير شركتكم؟! هو مدير الشركة وبكفاءة، وبشهادة كل زملائه، رغم أنهم مسلمين. أشكرك على حسن ظنك بي. لكني لا زلت مستغربًا من أن زملاءه مسلمين ومع ذلك هم الذين رشحوه!
وما الغريب في ذلك؟! الغريب أن بعض المسيحيين يمنعون الناس من الإسلام.
لأنهم لم يفهموا الإسلام جيدًا! هل تعني يا أمير أنك لا ترى بأسًا في أن يدخل المسيحي في الإسلام؟! سأقول لك ما أنا مقتنع به، وربما ما لا تحب أن تسمعه، أنا لا أرى أي بأس في أن يدخل في الإسلام أي مسيحي، بل ربما ما لا تعرفه عني أني منذ ثلاثة أسابيع وأنا أتردد على أحد مراكز التعريف بالإسلام، ومن يدري ربما أسلم قريبًا! خالك ربما يدخل في الإسلام فما الذي يمنعك أنت..؟ ههههه، الآن فهمت، ههههه. ماذا فهمتِ؟ ماذا بكِ؟ خالي أمير ليس خالي الذي حدثتك عنه. كيف؟ إذن هو شقيق خالك الذي حدثتيني عنه؟ لا، ربما تستغرب ما أقول، لكن جدي متزوج من أكثر من زوجة.
مسيحي ومتزوج أكثر من زوجة؟! لا أعرف مسيحيًّا يقول بتعدد الزوجات! من قال ذلك؟ لدينا من كان يقول أن الإنجيل لا يحرم تعدد الزوجات، بل سجن البابا مرقس الخامس؛ لأنه رفض تعدد الزوجات والناس تريده، وأيدهم بعض المطران، فسواءً كان ذلك من التأثر بالمسلمين كما يقول أعدائهم أو لأن العهد الجديد لا يحرم ذلك كما يقول بعض المطران المؤيدين للتعدد، أو كان تعدد الزوجات أفضل من تعدد العشيقات كما تقول الزوجات، وعلى كل الأحوال جدي توفيت زوجته فتزوج أخرى، فأمير خالي ولكنه ليس شقيق خالي مرقص الذي حدثتك عنه لكنه أخ له من أبيه. عجيب! الناس تريد تعدد الزوجات؟! الآن فهمت لماذا دعوتني لوحدي كنت تظن أني أنا الذي منعت ديانا من الدخول في الإسلام. نعم.
لكني فهمت أن الدعوة لأجل أن تخبرني لماذا لم تدخل أنت في الإسلام؟
اسمحوا لي أن أتدخل، صحيح، بالمناسبة إذا كان هذا حرصك على أن تسلم ديانا؛ فلماذا أنت لم تدخل في الإسلام؟ لقد سألته هذا السؤال فكان يهرب من الإجابة، وظننت أن الدعوة ليخبرني، هل يمكن أن تجيب الآن؟ سأجيب مضطرًا، وإن سمحتم لي أكون شاكرًا لكم.
إذن لا تجب، نريد الإجابة ولكن عندما تكون بدون إحراج.
أنا أعرف الإجابة وأحتفظ بها لنفسي ما دمت لا تود أن تقولها. شكرًا لكم جميعًا.. ولكني لا أظن أحدًا يعرف ما بداخلي! أنت بشر وإنسان وتريد السعادة، وأنا وخالي أمير كذلك وما يمنعنا هو الذي يمنعك، سواءً كنا شجعانًا وعبرنا عنه أم جبناء واختبأنا من الإجابة حتى لأنفسنا، فأنا مثلًا أكذب على نفسي وأتعلل بالظروف عندما أقول خالي مرقص هو السبب؟! لو كنت أمتلك الشجاعة والحرية لاتخذت القرار. حيرتيني! وما الذي يمنعك إذن؟
يمنعني حقيقة ما يمنعك أنت ويمنع أمير، وكما سمحنا لك ألا تخبرنا حتى لا تبرز تناقضاتك أمام نفسك من الداخل فلماذا لا تسمح لنا أيضًا، فكل شخص في داخله تناقضاته وتطلعاته وشهواته، فالصدق مع النفس كثيرًا ما يكون صعبًا، خاصة إذا كان في معنى أصل حياة الإنسان ومعنى وجوده وحياته، ولذا يهرب الناس من ذلك بالخمر واللهو.. كما فعلت أنا جبنا وخورًا!!
أفهم جيدًا ما تقولين، فلا بد للإنسان أن يعيش سعيدًا ويكتشف نفسه؛ ليتعرف على ربه وينعم بحياته لكنه قرار يحتاج لكمية كبيرة من الحرية والشجاعة، وأنتِ يا ديانا أشجعنا ولذا قلت ما قلت.
أنا لم أفهم شيئًا أي شجاعة؟!
شجاعة التخلص من أمراض النفوس، والتعالي على ظروف الحياة وشهواتها وشبهاتها ومكرها، حرية أن تتخذ القرار الذي يتجاوز ما اعتدت عليه، ويتجاوز كل الشبهات التي تثار والمكر الذي يدار، شجاعة أن تصدق بما يجحد به لسانك ولو كان قلبك يعرفه جيدًا. ما زلت أحاول أن أفهم! ربما يصعب عليك الفهم لأنك ولدت مسلمًا، أما أنا فقد فهمت ما تعني ديانا وأظن جورج كذلك.
إلا إن كان لا يريد أن يفهم، أو لا يريد أن يُظهر أنه يفهم، فكثير من الناس تهرب من نفسها لتوهمها أنها تشعر بالسعادة.
نعم فهمت.
وأنا فهمت أنكم تتكلمون بالألغاز، والذي أحبه لكم من الخير أن تسلموا لتنالوا سعادة الدنيا والآخرة، ولتحوزوا كل خير في كل دين وصدق الله القائل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]؛ فقد كملت النعمة وكمل الدين بهذا الإسلام. أظن أني فهمت جيدًا ما كنت أبحث عنه من فترة طويلة. ما هو الذي كنت تبحث عنه؟
كنت أبحث عن نفسي، وعن معنى لحياتي ولوجودي.. أبحث عن نور التوحيد وجمال الحياة.. أبحث عن متعة الروح والعقل والنفس
نفس ما أبحث عنه! لقد وجدت الخيط الرفيع الذي ينظم خرزات حياتي لتكون عقدًا جميلًا، الآن أعرف جيدًا لماذا خلقت؟! ولماذا أعيش؟! أنا لم أفهم شيئًا؟ هل يمكن أن تقول لي ما الذي فهمت؟!
كم أشعر بمشاعرك! أنت أكثرنا حرية وشجاعة، ما أجمل فترات الصدق مع النفس. فهمت ما أريد، وفهمت آدم ومطيع الرحمن وفهمت ليفي، وتوم وكاترينا وحبيب وأروميلا ومايكل وجانولكا وكاخ، والأهم فهمت جورج..
لقد فهمت معنى الحياة! لم أفهم شيئًا!! ما هذه الأسماء التي تذكرها؟
أنا الآن فهمتك يا جورج، كم أنت رائع! وفهمت كلام العجوز عن طريق السعادة.. عجوز؟! هل يمكن أن تدلنا على طريق السعادة؟! لقد أجابتني روحي، لقد سمعتها للتو.. كم أنا مدين لكم جميعًا! أجابتك روحك؟! نعم لقد كنت منفصلًا عن روحي، عرف عقلي وعلمي الطريق لكن روحي كانت بعيدة.
يبدو أنك تصفني، وماذا قالت لك روحك؟ قالت لي: كيف تستقيم الدنيا مع الآخرة، وكيف تستقيم النفس بالتوحيد الذي يعطي معنى للحياة؟
تستقيم الدنيا والآخرة؟! وتلتقي الروح بالعلم والعقل والنفس فتتعانقا بدلًا من أن تتصارعا، كم كان صراعهما يشقيني! رائع، ما أجمل أوقات الصفاء! كيف التقت روحك معه الآن؟
التقت متعة الجسد والروح... التقت البساطة بالعمق... التقت الدنيا بالآخرة... التقت المبادئ مع المصالح... رائع... رائع... أنا مسافر غدًا مساءً إلى لندن؛ لأبشره أني فهمت ووجدت طريق السعادة، كم كنت ظالم لنفسي ومضيع لعمري. من هو الذي ستخبره؟ العجوز الذي أكد لي أن روحي هي التي ستجد طريق السعادة. وماذا عن الشركة التي ستفتحها هنا؟ سأنهي إجراءاتها غدًا صباحًا، وطائرتي الساعة الثامنة مساءً، بعد غد الجمعة، وأريد أن أخبر العجوز أني سمعت لروحي وحياتي وعرفت؛ فانتظمت حياتي وروحي.. كم أود أن أتواصل مع كل أحبابي الآن، فأنا سعيد الآن، أنا فعلًا سعيد! وجدت الطريق. أهنئك يا جورج. استأذنكم وأعتذر لكم، أود أن أصعد لغرفتي الآن حالًا.
«أحبتي يا مَن سرتم معي في البحث عن طريق السعادة.. لقد وجدته.. لقد وجدته.. لقد وجدته... كم أنا سعيد.. لقد عرفت إجابة تساؤلاتي المقلقة.. أنتم جميعًا تستحقون شرح الصدر ونور القلب... أنتم جميعًا تستحقون راحة الضمير وإشراقة التوحيد... أنتم جميعًا تستحقون متعة الروح وأشواقها... أنتم جميعًا تستحقون استقامة الدنيا وجمال الحياة... أنتم جميعًا تستحقون سعادة الدنيا والآخرة... أحب لكم الخير وطريق السعادة فقد وجدته، نعم وجدته، التقت فيه روحي مع عقلي ونفسي، والتقت فيه الدنيا بالآخرة، والتقت فيه متعة الجسد والروح، لقد اجتمعت نفسي بعد تفرق، لقد أجاب على كل تساؤلاتي.... إنه طريق السعادة. لك الحمد يا رحيم يا كريم محبكم/ جورج نيسون»