رأيته بالأمس واتفقنا أن نلتقي اليوم. ليس لدينا أي معلومة عنه، وعدم حضوره شيء غريب، عموما ربما يأتي غدًا.
كاترينا.. اختفى آدم، ولم أجده في العمل ولا في بيته وجواله مغلق. هذه ليست المرة الأولى، ألا تذكر مثل هذا قبل فترة من الزمن؟ نعم، وأظنه كان مع الذين سجنوا سابقًا باتهام التفجير الإرهابي، لكني لم أكن أعرف بأنه مسلم. لم أتعامل كثيرا مع آدم، لكني أحترمه كثيرًا، فقد رأيت شفقته وحرصه عليك أثناء مرضك، ورأيت تعامله مع صفاقة ووقاحة كاخ. وما لا تعرفينه عنه وأعرفه أنا جيدا أنه من أكثر الناس نصحًا ومحبة للخير لي، ولقد رأيت ذلك في أكثر من موقف، وأستغرب لماذا هذا الحرص والصدق معي؟ وما الغريب في ذلك؟! لم يكن في الأمر غرابة حتى علمت أنه ليس مسيحيًّا. لم أفهم، لماذا؟! لأنه هو من كان يحثني على الذهاب لتل أبيب وتعلم اليهودية، وهو الذي حثني أيضًا على تعلم المسيحية والذهاب إلى روما، فكيف يفعل ذلك وهو ليس مسيحيًّا؟ ربما يكون هذا علامة ثقة بالنفس. أو ثقة بالمنهج والطريق؟! ربما، عمومًا القرآن كتاب غريب جدًّا، ألن تقرأه خلال هذا الأسبوع كما ذكرت في رسالتك؟ كما أخبرتك سابقًا، كنت أود قراءته، لكن موضوع كاخ أزعجني، ثم اختفاء آدم، على كلٍ هل انتهيت من قراءته لآخذه للقراءة؟! نعم أنهيته، لكني أشعر أنه لا بد من إعادة بعض الأمور فيه، هل تريدني أن أشتري لك نسخة؟ إن ذهبت قريبًا من المكتبة فاشتري لي نسخة، لكن بالمناسبة هو بأي لغة أصلًا؟
القرآن باللغة العربية فقط. وكيف تقرأينه إذن؟ أنا أقرأ ترجمته فقط. ألسنا نقرأ ترجمة العهد القديم والجديد، ونقول أنا نقرأهما؟ فلماذا التفريق هنا؟ بناءً على سؤالك في الرسالة راجعت الموضوع وقرأت وبحثت عنه، نقل القرآن عبر العصور أدق نقل عرفه التاريخ، فعن رسولهم محمد نقل جموع كبيرة، ونقل عنهم جموع كبيرة إلى يومنا هذا، ولم يحدث فيه تحريف، أما الترجمات ففيها يتم التحريف والخطأ. كيف؟ ترجم عدد من القساوسة معاني القرآن، فترجموه كما أرادوا، كما أن هناك أخطاء في بعض التراجم. إذن.. القرآن خاص للعرب، وما عداه فمحرف وخطأ؟ ربما، لكني لم أقل ذلك! القرآن ينص على أنه ليس خاصًّا للعرب في أكثر من موضع منه: «كافة للناس»، كما أن التراجم كثير منها جيدة، لكن عند الاختلاف يرجع للنص العربي، المضحك أن النص العربي ليس منقولًا مكتوبًا أو حفظًا فحسب، بل لدى المسلمين نقل حتى لطريقة أداء الصوت في القراءة. وما معيار صحة الترجمة؟ المترجم يترجم معاني القرآن وليس القرآن، فالقرآن بالعربية فقط، عموما عندما تقرأ ستشعر بذلك. أنا متعب وأود أن أنام، وجائع وأود أن أتناول وجبة العشاء، وقلق وأود أن أطمئن على آدم، ومحتار وأود أن أرد على كاخ، وعاشق يريد معشوقته، وأنت مشغولة بتراجم القرآن!
إذن لنبدأ بالعشاء، ثم العشق، ولنؤجل الباقي.
كأنك تحمل الدنيا على رأسك، ما بك؟ لا شيء، متعب قليلًا. والهم الذي بك! لا شيء، لم أجد أحد أعز أصدقائي وأبحث عنه، وقد قلقت عليه. هل بحثت في مكان عمله وفي بيته وعند أصدقائه؟ نعم، والغريب أنه حتى زميله النادل في المقهى مستغرب من أنه لم يعتذر، وليست هذه عادته.
ههههه، أعز أصدقائك! أهو النادل الذي قابلته في المستشفى عندك؟! نعم. كدت أطرده من المستشفى، كيف تصادق نادلًا؟! بل كادت كاترينا تطردك لما تهجمت عليه، آدم أعز أصدقائي، ولا أحب أن تتحدث عنه هكذا. أنت مرشح لتكون المدير العام للشركة، ثم تحدثني عن صديق نادل! أخشى أنك رغم كفاءتك الوظيفية إلا أن ذكاءك الاجتماعي ضعيف جدًّا، وللأسف الذكاء الاجتماعي أهم من الكفاءة الوظيفية خاصة في المناصب العليا. هل الذكاء الاجتماعي يعني أن أعامل الناس بطريقة فجة وقحة بغرور؟! يعني أن لديك مهارة لكسب الأشخاص المهمين الذين يزيدون من دخلك ومن فرصك. هل الصداقة بالنسبة لك فرص ودخل مالي؟ نعم، بل الحياة كلها كذلك، ولا أدري متى ستفهم ذلك؟ لا أود أن أفهم. صديقي لا تكن حادًّا، متى تسافر؟ لا يشرفني صداقتك، وصداقة آدم أحب إليّ. هههه، يهمني عملك لا صداقتك، متى ستسافر للسويد؟ سأرد عليك غدًا، أستأذنك. لقد حجزنا لك، ويمكنك أخذ التذاكر من وليام مدير العلاقات العامة.. ههههه وبشرنا عندما تجد النادل.
تفضل هذه التذاكر مرسلة من كاخ.
أنا مستغرب من حماس كاخ لسفري، رغم عدم رغبتي فيه.. وحسب علمي أنك أنت أو مدير التسويق ليس لديكما مانع من السفر، بل هو من صميم عملكما لا عملي! هو مضطر لذلك، وليس باختياره. كيف؟! لم أفهم! في اجتماع مجلس الإدارة أثناء سفرك لتل أبيب أُتخذ قرار بترقيتك إلى المدير العام، ونقل كاخ لعمل آخر، ولم يجد كاخ طريقة لتأجيل هذا القرار إلا بإخبارهم بأن هناك مهمة لا يمكن أن يقوم بها غيرك، وأنه سيؤجل القرار حتى تقوم بها. وفي حالة عدم قيامي بالمهمة؟ لا أعرف، كنت أود أن أسافر أنا لكنه رفض، تفضل هذه التذاكر فقد حجزنا لك بعد تسعة أيام من اليوم. بدأت الأمور تتضح لي، فهمت الآن سبب إصراره، هل يمكن أن ترسل لي على البريد هاتف وبريد العميل في السويد؟ بعد خمس دقائق ستجدها على بريدك. وأرقام هواتف وبريد جميع أعضاء مجلس الإدارة. سأرسلها لك. شكرا وليام.
«السادة أعضاء مجلس الإدارة يشرفني خدمة الشركة التي لي فيها قرابة أربع عشرة سنة، كما يشرفني ثقتكم بي، وآمل أن أكون أهلًا لهذه الثقة، فنجاح شركتنا ينبغي أن يكون مهمتنا جميعًا، وأحب أن أشيد بدعمكم الذي جعلني أتمكن من إنجاز ما أنجزته للشركة. وأتقدم إليكم باستقالتي من العمل، وذلك لأني ظننت أنكم ستثمنون الجهود، لكني فوجئت بالتهديد بالفصل إن لم أخالف أخلاق مهنتي ومبادئي، فآمل تصفية مستحقاتي، فاستقالتي أفضل لي وللشركة من فصلي، وأفضل من أن أبيع مبادئي. شاكرا لكم جميعًا حسن تعاملكم وفضلكم جورج نيسون»
أنت الذي أتيت بالأمس، لم يأت اليوم أيضًا، ولكن اتصل شخص قبل ساعة تقريبًا وأخبرنا أنه أصيب في حادث، وهو في المستشفى وصحته تتحسن.
لقد وقف معي وقفة رائعة عندما كنت في المستشفى، ولا بدّ أن أردّ له الجميل. ما رأيك أن تمر بي ونزوره معًا؟ أنا قريب من المستشفى، سأزوره الآن، ويمكنك أن تزوريه في الزيارة المسائية.
مرحبًا آدم.. ما الذي حدث لك؟ مرحبًا جورج، عذرا رأيت رسالتك على الجوال قبل خمس دقائق؛ فلم يأتني جوالي إلا قبل قليل، كيف حالك أنت؟ ما الذي حدث؟ سقطت وأنا أنزل الدرج، وحصل لي كسر في ساقي، وأتيت المستشفى بالأمس وأجريت لي عملية جبر العظم، وأنا بخير. لماذا لم تتصل بي؟ شكرًا جورج أنت صديق وفيّ، في الحقيقة لم أكن أستطيع أن أتصل بأي أحد، صاحبي الذي أخذني للمستشفى هو الذي اتصل بمن يعرف من أصدقائي، أعرفك عليهم: أحمد من سوريا مهندس إلكترونيات، أدريان صيدلي من بريطانيا، علي من السعودية طالب دراسات عليا في الجامعة، الشيخ باسم الأزهري من مصر إمام المركز الإسلامي في لندن.. وأعرفكم صديقي جورج مهندس برمجيات ونائب مدير شركة البرمجيات المتقدمة.. الذي أحضر لي الحقيبة الفاخرة التي أعجبتكم. مرحبًا، لأول مرة أتعرف على أصدقاء صديقي. صديقي جورج كثير الانشغال والسفر، وإلا فهو لا يقصر أبدًا. كما عرفني آدم أنا نائب مدير شركة البرمجيات المتقدمة سابقًا، وقد استفدت من آدم كثيرًا جدًّا. سابقا؟! منذ متى خرجت من الشركة؟ قبل قرابة الساعة قدمت استقالتي وجئت لك. لماذا؟ قصة استقالتي طويلة، دعني من هذا.. ما أخبار رجلك؟ وماذا يقول الطبيب؟ الحمد لله.. لا بأس خفّ الألم تقريبًا؛ إلا أني مضطر أن أجلس في المستشفى لمدة خمسة أيام، ثم سأجلس في البيت لمدة شهر تقريبًا، ثم لمدة شهر سأسير بالعكازات.
باسم الأزهري مبتسمًا: لا أود أن أقطع نقاشكم، لكن نستأذنكم لنؤدي صلاة الظهر، وسنعود مرة أخرى. أنتظركم. الشيخ باسم أستاذي وشيخي منذ كنت صغيرًا. أين ذهبوا؟ ذهبوا لصلاة الظهر. اليوم الثلاثاء، فأي صلاة؟ نحن مسلمون، والمسلمون يصلون كل يوم خمس صلوات، وفي أوقاتها. علمت أنك مسلم وكانت مفاجئة لي! لماذا لم تخبرني سابقًا؟! ألم أقل لك سابقا أنك لا تربط بين النقاشات، اسمي ونقاشاتي، بل وشكلي وسحنتي دلالتها واضحة على أني عربي ومسلم، عمومًا لم أرد أن أخفي عنك ذلك، لكنك سألتني وأنت تتهمني بأني كاثوليكي أو بروتستانتي، أكرر اعتذاري إن شعرت أني أخفيت عنك ذلك. ألا تتعبكم خمس صلوات كل يوم؟! الصلاة تريحنا من شقاء وتعب الدنيا، ولا تتعبنا. كذلك نحن نرتاح بالصلاة أسبوعيًا، لكن خمس مرات يوميا أظنها متعبة! نحن نتعب إذا لم نصل خمس مرات يوميًّا، وصلاتنا لا تحتاج لكبير جهد، ولا حتى الذهاب إلى المسجد. تذهبون إلى المسجد؟ إن تيسر الذهاب للمسجد فهو حسن، وإلا فأي مكان يصلح للصلاة، وأنا سأصلي بعد قليل على كرسي. تصلي وأنت في هذه الحالة! نعم، بل كوني في هذه الحالة أدعى للصلاة، فأنا محتاج إلى ربي في كل وقت، والآن حاجتي له أكثر، وإلا اختبارات الحياة تفقد الإنسان قدرته على التحمل؛ وبالتالي ينحرف عن أخلاقه ومبادئه. حقيقة.. المبادئ متعبة. ولذا الصلاة والاتصال بالله هي نوع من أنواع المدد؛ ليتزود الإنسان بالصبر والثبات. أرسلت لكم رسالة أن نقرأ القرآن، ولكني لا أعرف أقرأ أي ترجمة للقرآن. أتمنى أن تفهم العربية؛ لتتلذذ بالقرآن كما نتلذذ، عموما سأهديك نسخة من ترجمة معاني القرآن، لكن بعدما يعود الشيخ باسم.
هل الإسلام للعرب فقط؟ عدد المسلمين الذين في العالم غير الغربي أضعاف عددهم في بلاد العرب، فالإسلام كما قال الله تعالى {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. رحمة! نعم رحمة.. ولو درسته أو لو قرأت القرآن ستكتشف كم هو رحمة ولكل العالمين! نفس منطق كاترينا عندما تتكلم عن الكاثوليكية. كما درست الكاثوليكية.. ادرس الإسلام، ثم ردّه إن لم تقتنع. نعم قررت أن أدرسه وأن أبدأ بقراءة القرآن، ولكن بعقلية ناقدة.
جيد ومناسب جدًّا، الإسلام دين العلم، ولا يريدك أن تؤمن بدون أن تتعلم أولا، ولذا كان أول أمر نزل على الرسول: (اقرأ). تبدو واثقًا من الإسلام.. قابلت في روما مسلمًا من مصر، كان يقول لي أنه يتمنى لو كانوا مثلنا، ونصحني ألا أتعرف على الإسلام. وستقابل من المسلمين أيضًا من يقول: إن الإسلام دين التخلف والرجعية والإرهاب. كان يقول ذلك أيضًا.
وستقابل من المسلمين من يتحدث عن ظلم الإسلام للمرأة، وعن الإكراه على الإسلام. يبدو أنه اجتمع ما قلته في المسلم الذي قابلته في روما. أليس من الممكن أن تقابل شخصا يسب وينتقد علم الرياضيات أو الهندسة أو الطب أو الحاسب؟! كثير جدًّا. هل ينقص من قدر هذه العلوم شيئًا؟ أو ينقص من قدرها وحاجتنا إلها شيئًا؟ قطعا لا، لكن الأمر مختلف هنا. لا أرى وجها لاختلافه؛ إلا أن هناك هجمات ممنهجة على الإسلام، بينما لا يوجد مثل ذلك على العلوم. ماذا تعني بهجمات ممنهجة؟ أتذكر التفجير الإرهابي في لندن الذي فجره المسلمون؟ نعم، وقد ثبت بعد ذلك أنه ليس تفجيرًا إرهابيًّا. ثبت ذلك بعد أن تحدثت وسائل الإعلام عن إرهاب المسلمين لفترة طويلة، ثم جاء النفي مقتضبًا كالعادة، هل تعرف أني أنا أوقفت وسجنت بسبب التفجير؟ والتهمة أني مسلم؛ مما يعني أني إرهابي، هل تعرف أن كل الأدلة كانت واضحة أن المسلمين بريئون من القضية، لكن الإعلام لديه التهمة الجاهزة؟ لكن ألا ترى أن ذلك بسبب أفعال المسلمين المتكررة؟ في كل مجتمع وفي كل دين يوجد متطرفون، لكن الفرق أن القضية جنائية عندما لا يكون لها علاقة بالمسلمين، وإرهابية عندما يكون لها علاقة بهم! أليس ذلك شيئًا مضحكًا! تبدو متحمسًا جدًّا للإسلام! دعني أكون مباشرًا معك، ما الذي يمنعك من أن تكون مسلمًا؟ وتسعد بحياتك؟! سؤال مباغت لم أكن أتوقعه، هل الدخول في الإسلام بهذه البساطة؟! نعم، لا أظنك تحتاج لطقوس الكنيسة ولا لتعقيدات بعض الأديان، هو شيء بسيط لكنه نقلة كبيرة. وهل تتوقع أن أدخل في الإسلام يا آدم؟ نعم بل أعتقد أنك قريب جدًّا. عفوًا، يبدو أنك لا تعرفني جيدا يا آدم، أنا لا يمكن أن أتبنى شيئا لا يتوافق مع عقلي ومنطقي وفكري ومبادئي. عفوا.. بل أنت الذي لا تعرف الإسلام! لم أفهم، ماذا تقصد؟ الدخول في الإسلام بسيط جدًّا، لكن لا يمكن أن تدخل في لإسلام قبل أن تكون القناعة به داخلية وكاملة، فليس المقصود أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يكون ذلك حقيقيًّا في داخلك، ولذا الأهم ما في قلبك من معتقدات وإيمان قبل مجرد الأشكال. رغم أني لا أظن أني سأسلم يومًا، لكن من يدري؟! رغم قناعتي الكبيرة بأنك ستدخل في الإسلام، لكني أعتقد أن بوابتك للدخول في الإسلام هي العلم؛ ولذا أعتقد أنك يجب أن تتعرف على الإسلام أولًا، وستدخل فيه بعد ذلك، فأنت تحب العلم والمنطق والعقل والمبادئ. لا أدري هل أنت بما تقول تمدحني أم تمدح الإسلام أم كليهما؟ لكنك تذكرني بالمسلم الذي قابلته في روما وقال قريبًا من ذلك لكاترينا، قبل أن يهديها كتاب بعنوان: (حبي العظيم للمسيح أدخلني الإسلام). ألم تقل لي قبل قليل أن المسلم الذي قابلتموه في روما كان يتنكر ويتبرأ من الإسلام؟ من المفارقات أن هذا الأخير أخو الأول الذي حدثتك عنه، وقد قابلناهما معا. وأيهما في نظرك أفضل؟! لا أدري، لكن رغم أن الأول أكبر، إلا أن الثاني أكثر احترامًا لأمه وأبيه، وهما يحترمانه كثيرًا، ولم يكن يهمني المفاضلة بينهما. وهل قرأت كاترينا الكتاب؟ نعم، بل وقرأته مرتين، وأعرف أنه هزها من الداخل. وهل قرأته أنت؟ نعم قرأته، لكنك قلت لي أن أبدأ بالقرآن، وأنك ستهديني ترجمة له. سيأتي الآن الشيخ باسم فقد تأخروا قليلًا، وأتوقع أن يصلوا الآن، وأستأذنك لأصلّي.. ولو أردت أن تسأل عن الإسلام؛ فالشيخ باسم عالم وأنا مجرد تلميذ له، ونسختك من القرآن هدية مني لك عند الشيخ باسم. سأنتظرك إلى أن تنهي صلاتك.. فإن جاؤوا وإلا فأستأذنك بالانصراف. حسنًا.
أخبرني آدم أنك رجل دين في الإسلام، وأهداني نسخة من ترجمة القرآن، وقال أنك الذي ستعطيني إياها. لا يوجد في الإسلام رجال دين، فالدين للجميع، ونسخة المصحف في السيارة في الخارج، ما رأيك أن نخرج معا وأعطيك إياها؟ جيد.. فقد تأخرت كثيرًا، وأود أن أنصرف، ولكن لننتظر انتهاء آدم من الصلاة، إلا إذا كانت ستطول.
صلاتنا كديننا يسر كله، وسعادة كله. سعادة؟! نعم.. سعادة الدنيا والآخرة، غريب أن تكون صديق آدم ولم يحدثك عن ذلك، سأعاتب آدم إذ لم يعرفك بهذا الدين العظيم مع أنك صديقه، ولن يجد ما يهديك خير من تعليمك الإسلام، ألا ترى أن كثيرا من البشرية يتقلب في طرق ومسالك الضلال والغواية بحثا عما يصلح لها شأن دينها ودنياها ويغفل عن دين آخر الأنبياء والمرسلين؟ ربما لذلك أهداني ترجمة القرآن من عندك.
يا شيخ باسم لا تعاتبني؛ فقد قلت له إن الإسلام سعادة الدنيا والآخرة..
يا جورج نحن بعد كل صلاة نشعر بسعادة في الدنيا غريبة، إذ نلقي بأحمال الحياة على رب أحد قادر رحيم كريم سميع عليم، تعلم الإسلام فهو طريق السعادة. أحب لك يا جورج سعادة الدنيا والآخرة التي ذكرها لك الشيخ باسم. لا يمكن أن أغير ديني إلا بعد أن أتعلم وأقتنع، وأعرض ذلك على التفكير الناقد الدقيق، ألم أفعل ذلك يا آدم مع جميع الأديان؟ بلى، وهذا طلبي أن تبقى بنفس الطريقة، مع محبتي لأن تسلم، لكن الإسلام يعلمنا أن العلم أولا. لا بد أن تتعلم أولا، ثم بعد ذلك ليس لك عذرا إن لم تسلم يا صديقي، هل تود أن ننزل الآن؟ لا أعرف ما مصدر ثقتكما في أني إن تعلمت سأدخل في الإسلام؟ ثقتنا في الإسلام الذي جاء من عند الله. سأرى!! أعدكما أن أقرأ القرآن، وأقرأ عن الإسلام، وأتناقش فيه، وبعد ذلك أتخذ قراري. رائع جدًّا.. فهذا هو الأفضل. ولا تنس أن تسافر كما سافرت للتعرف على الأديان الأخرى. لننزل الآن.. وسأقرأ كتابكم المقدس، ثم لكل حادث حديث، وسأحاول أن أزورك غدًا فأنا أصبحت بلا وظيفة. لقد فاجأتني بأنك تركت عملك، ولكن يبدو أنك مستعجل، إن لم تأت غدًا فليكن بيننا اتصال بالهاتف، كان الله معك.
عدت الآن من زيارة آدم. أعرف أنك لم تزوريه إلا لأنه صديقي وكذلك مجاملة لي. لكنه شخص عجيب جدًّا! كيف؟
لا أدري، لكنه هو وجميع أصدقاءه المسلمين الذين عنده لا يصافحون النساء، واعتذروا بأدب، فهل هذا تمييز ضد المرأة على طريقة اليهود أو المسيحيين؟ ربما.. لا أدري، أنا بدأت قبل ساعتين القراءة عن الإسلام بقراءة كتابهم المقدس القرآن، والحقيقة أنه فيما قرأت حتى الآن ينصف المرأة ويحترمها ويقدرها. نعم.. قرأت ترجمة القرآن، هو كذلك لكني تعجبت من طريقتهم في التعامل معي! لماذا؟ هل كان هناك أي نوع من الإهانة أو الازدراء لك؟ أبدًا، كانوا في غاية اللطف واللباقة، لكنهم لم يصافحوني، بل ولم ينظروا إلي. لكنك تأخرت، ألم تتحدثوا معا؟ تحدثنا كثيرًا، وكان غالب حديثهم عن الإسلام، لا أدري لماذا ذكروني ببعض القساوسة. ربما لأن صاحبه باسم رجل دين. لا، باسم ليس رجل دين ويرفض هذا الوصف، ويقول ليس في الإسلام رجال دين كالبابوية عندكم، لكنه عالم بالدين على كل حال. نعم.. صدقت، قال لي نفس الكلام، وهو رجل خلوق وابتسامته مشرقة، وقد أعطاني بطاقته لأتواصل معه، تصوري!! يريدني أن أدخل في الإسلام، كم أتعجب من ثقتهم! نظرت كاترينا إلى السقف، وكأنها تستحضر شيئًا في ذهنها: جميعهم خلوقين، وكثيرو العبادة، وإن كانوا ليسوا كالرهبان فجميعهم يعمل في الحياة وليس متفرغا للعبادة، بل الطريف أنهم يرون عملهم وتعلمهم عبادة، فليس لديهم فصل بين الحياة والعبادة كما لدينا، تخيل صلى آدم على سريره! وقال لي: نحن نصلي في كل مكان؛ فالدين يسر. وصلى وأنا عنده وأخبرني أنهم يصلون في اليوم خمس مرات، وأن صلاتهم تجلب لهم السعادة، لم أقتنع بما قالوا رغم أنهم يتكلمون بقناعة كبيرة. نعم.. قناعتهم كبيرة جدًّا، وكلامهم مؤثر جدًّا، وعلاقاتهم وابتساماتهم مؤثرة جدًّا. يبدو أنك معجبة بهم! ليس الإعجاب هو القضية، القضية أن المسلمين والقرآن والإسلام نظام وطبيعة مختلفة كليا عما اعتدت عليه. وضحي أكثر، نفس الشعور وجدته عندما بدأت أقرأ كتابهم المقدس «القرآن»، ولم أستطع أن أدركه بشكل متكامل، شعور غريب في داخلي، خاصة في موضوعات؛ مثل: توحيد الله وتمجيده وأسمائه وصفاته، أو قصص الأنبياء وبالذات اليسوع ومريم، أو الأخلاق والآداب. نفس الشعور لدي، لكني أرى ألا نستعجل في الحكم، فستتبين لنا الأمور بزيادة العلم بهذا الدين، ونعرف نقاط ضعفه ونقصه وتناقضه، ولا أدل على وجود مثل هذه الأمور في الإسلام من حال المسلمين الدكتاتوريين المتخلفين. رغم إعجابي بآدم لا أجد عندي رغبة في التعرف على الإسلام، لكن سأجاهد نفسي على ذلك، وإن كنت استمتعت قبل قليل وأنا أقرأ القرآن. القراءة في كتابهم المقدس عجيبة حقًّا! أبشركِ.. قدمت استقالتي اليوم من العمل، كم أكره كاخ الكاذب المراوغ، فقد علمت أنه حجب عني الترقية وكلفني بالسفر للسويد، فقدمت استقالتي بطريقة تثير مجلس الإدارة معي، فإن لم يردوا علي فهي استقالة نهائية. إذن انتصرت مبادئك على رغباتك ومصالحك؟ ربما، لكن ربما شجعني على القرار ما علمته من قرار مجلس الإدارة ورد فعل كاخ، وأملي في وقفة مناسبة منهم، وعلى كل حال إن لم يأتني رد إيجابي منهم فسأرفع تظلم إلى نقابة العمال. أما أنا فما زلت أتصارع بين مبادئي وبين عملي.. كنت أغطي شكي وأهرب منه، لكنك أنت صممت على كشف المستور. منذ زواجنا لم أركِ سريعة التغير والتحول مثل الشهر الأخير هذا، وخاصة بعد قدومي من تل أبيب! ليس التغير والتحول شر كله ولا خير كله، وأتمنى أن يكون تحولي لخير مما كنت عليه. هههه، وهل هناك خير من الكاثوليكية؟ عقيدتي في اليسوع مخلصنا كبيرة جدًّا، وفي الكاثوليكية أيضًا، ولا أظن هناك خير منها، لكن من يدري؟! هههه، أود أن أنام مبكرًا اليوم، ولكني سأقرأ البريد سريعًا.
«جانولكا: المبادئ أولا بلا شك لمن يملك الشجاعة، لكن معها التعب والنصب. ليفي: الصحيح أن المبادئ أهم، لكن ليس بالضرورة أننا قادرون على ذلك، فنحن نضعف أمام ضغوط الحياة. حبيب: تقدم المبادئ، وإلا تحولنا وكأننا حيوانات في الغابة. كاترينا: يفترض أن تقدم المبادئ، لكنه قرار صعب. ما زلت أنتظر منكم ردًّا على رسالتي السابقة حول القرآن. جورج»
«صديقي جورج.. رغم قصر الفترة التي تعرفنا فيها على بعضنا إلا أني وجدت تقاربًا، بل تطابقًا في التفكير بيننا، ولذا أود أن أستشيرك في أمر ربما تستغربه. بعد سفركم قرأت الكتاب الذي أهداه المسلم لزوجتك، قرأته على الإنترنت، ثم عدت وقابلت المهندس المعماري المسلم وتناقشت معه فيه وطلب مني أن أقرأ ترجمة القرآن أولًا، فقرأته كاملًا أكثر من مرة، ثم تقابلنا مرة أخرى وتناقشنا، ولا أدري ما سر السحر الذي في هذا الكتاب! فسألته عن أمور تفصيلية في الإسلام؛ فقال لي أنه لا يعرف عنها شيئًا فهو مجرد مهندس، فقلت له: من يمكن أن يعرفني بالإسلام أكثر، فقال إنه لا يعرف أحدًا في إيطاليا فهو غريب عنها، وإن أردت أن تتعلم أكثر عن الإسلام فأمامك طريقين: إما أن تقرأ المكتوب وتسمع وترى المنشور عن الإسلام وهو كثير إلا أن بعضه مكتوب من أعدائه، وإما أن تبحث عن عالم بالإسلام في إيطاليا أو تسافر له، فقررت أن أسلك الطريقين فأنا أقرأ منذ سفركم بما لا يقل عن خمس ساعات يوميًّا عن الإسلام، وأود أن أسافر قريبا إلى مصر أو إلى ليبيا، فهل تنصحني بشيء؟ تحياتي لك ولكاترينا جانولكا»
قرأت رسالتك وأعجبت بشجاعتك، ويبدو أن التحولات التي حدثت لك في الفترة القصيرة من سفرنا كبيرة وأكثر مما كنت أتوقع، أؤيدك في سلوك الطريقين وأود أن تفيدني بما تتوصل إليه فأنا أستفيد منك ومن عقلك الناقد كثيرًا، تحياتي لك جورج»
ليس لدي عمل اليوم ولا أدري ماذا أفعل؟ اذهب للعمل، فأظن أنه لم يأتك قبول أو رفض لاستقالتك، وغيابك سيكون حجة عليك في النقابة. لم يخطر هذا في ذهني، عندكِ حق. أما أنتَ فحسمت أمرك، وأما أنا فسأحاول أن أحسم أمري أيضًا اليوم. تحسمينه.. كيف وبماذا؟ لا أدري، لكني سأذهب وأحاول أن أحسم أمري. أرسلت لك البارحة ملخص ما جاءني عن الصراع بين المبادئ والمصالح على بريدك اقرئيه ربما يفيدك قبل اتخاذ القرار. سأقرأه قبل أن أتخذ قراري، سأذهب الآن حتى لا أتأخر. وأنا كذلك سأخرج الآن.
ماذا صنعت؟! لم أصنع شيئًا ما الذي حدث؟! بعد خروجك بالأمس استدعاني كاخ غاضبًا، ولأول مرة أراه بهذا الغضب، وسألني من أين جاء جورج بعناوين مجلس الإدارة؟ فقلت له لا أدري. ولماذا لم تقل له إنك أعطيتني إياها؟! ربما يضرني! فأنت تعرف أنه ظالم لا يفكر إلا في مصلحته. هكذا نحن نخاف من بعضنا.. عجيب جدًّا.. لن أقول أنها منك فاطمئن، لكن هل تعرف سبب غضبه؟ يبدو أن أعضاء مجلس الإدارة اتصلوا به وطلبوا عقد اجتماع عاجل خلال ثلاثة أيام، بناءً على رسالة منك. اجتماع لماذا؟ لا أدري؟ كل ما أعرفه أنه في موضوع يتصل بك أنت، ولذا سألتك ماذا كتبت في الرسالة؟ إذن الوضع مشجع جدًّا، لم أكن أتوقع ذلك! مشجع! ما هو المشجع؟! لا شيء، أرسلت لهم استقالتي، على كل حال ثق أنه لن يعرف أحد أنك أعطيتني عناوينهم البريدية. شكرًا لك.. أستأذنك.
«السادة أعضاء مجلس الإدارة: يشرفني خدمة الشركة التي لي فيها قرابة أربع عشرة سنة، كما يشرفني ثقتكم بي، وآمل أن أكون أهلا لهذه الثقة، فتطور شركتنا ينبغي أن يكون مهمتنا جميعًا، وأحب أن أشيد بدعمكم الذي جعلني أتمكن من أنجاز ما أنجزته لكم. وتقدمت إليكم متظلمًا وقدمت استقالتي ولم يأتني رد منكم، فهل يعني ذلك استمرار ظلمي وقبول الاستقالة، أم يعني إنصافي واستمراري في العمل، آمل أن يتم النقاش معي مباشرة من مجلس الإدارة. شاكر لكم جميعًا حسن تعاملكم وفضلكم جورج «
كل هذا من أجل المبادئ يا صاحب المبادئ! هل يمكن أن تأتيني الآن في مكتبي؟ نعم من أجل المبادئ، ولن أغير مبادئي. هل ممكن أن تأتي إليّ؟ سآتيك الآن.
ماذا تريد يا جورج؟ أريد ألا أخالف مبادئي. كأنك تسعى لتكون رئيس الشركة. لم أسع إليه، وإن جاءني وأنا أستحقه فلا بأس. إذن المسألة ليست مبادئ، وإنما مناصب. افهمها كما تشاء، أنا لن أغير مبادئي، ولم آت إليك إلا بعد أن طلبتني وأخبرتني أننا سنتفق، ثق يا كاخ أني لن أتنازل عن مبادئي. إن كانت المسألة كما تقول مسألة مبادئ، وليست مسالة مناصب، فلدي عرض آخر لك. ما هو؟ سأسافر أنا للسويد، لكن بشرط أن تسافر أنت من لندن. لماذا؟! الموضوع يرتبط بي شخصيا، فأنا لا أود أن أخرج من الشركة الآن، فإن اجتمع مجلس الإدارة وأنت في لندن فسيتخذ القرار بترقيتي وإخراجي من الشركة، ولذا أقنعتهم بأهمية سفرك للسويد، ثم ابتسم وقال: ونظرا ومراعاة لمبادئك سأسافر أنا، لكن يجب أن تكون أنت خارج لندن في نفس الفترة حتى يتأجل اتخاذ القرار. أسافر إلى أين؟ إلى أي مكان تريد، فلدينا عمل في ألمانيا، وفي أوكرانيا، وفي مصر. وإن رفضت؟ سيكون واضحًا أن القضية قضية مناصب أو مصالح وليست مبادئ! وعند ذلك لكل حادث حديث. سأفكر وأرد عليك غدًا. ترد عليّ أنا.. وليس على جميع أعضاء مجلس الإدارة. أعدك بذلك..
هل الوقت مناسب لأزورك؟ مرحبًا أهلا بك. بعد نصف ساعة سأكون عندك، مسافة الطريق فقط.
د. توم في انتظارك تفضل. أهلًا جورج.. أول مريض بعد فتح العيادة؛ فهي لم تفتح إلا اليوم، ولم أعط مواعيد إلا ابتداءً من الغد. خبر سار، أعتذر لم أتابع الموضوع، هل انتهى موضوع براد؟! ولَّى إلى غير رجعة. أين ذهب؟ السجن، ضبط وهو يبيع كمية من المخدرات. كم أكره براد! لماذا تكرهه؟ شخص ليس لديه مبادئ، وعندما يفقد الإنسان مبادئه يصبح أقرب ما يكون لحيوانات الغابة. ما أصعب الامتحانات! كان أمامي خياران أن أتنازل عن مبادئي وتحل كل مشاكلي بسرعة، أو أثبت على مبادئي وأدخل في امتحان صعب، وقررت الثبات على مبادئي وكدت أن أفقد كل شيء، لكنني مقتنع أن الثبات على المبادئ نهايته حسنة، وهذا ما تم. كأنك تعرف ما جئت من أجله! ما هو؟
كنت أود أن أستشيرك: هل تعتقد أن سفري بدون شروطه اللاأخلاقية تنازلًا عن مبادئي؟ لم أفهم! كيف يمكن أن تتنازل عن مبادئك؟ أنت ستسافر لعمل آخر. لكني سأحقق أهداف كاخ السيئة. وربما تفضح كاخ أكثر أمام مجلس الإدارة. إذن رأيك أن أسافر؟ نعم.. وإلى مصر. لماذا؟ ألم نصل في نقاشنا سابقًا إلى أنه يجب أن تدرس الإسلام، وهذه الفرصة جاءت إليك، ولولا أني فتحت العيادة اليوم لسافرت معك. لا أود أن أسافر، فقد سافرت كثيرًا في الفترة الأخيرة، ولو كنت مسافرًا فأحبذ السفر إلى ألمانيا. الأمر إليك، لكني أرى أن سفرك مهم؛ فسترى المسلمين من الداخل، وستعرف عيوبهم وأخطاءهم. سأفكر، وعلى كل حال أنت أول شخص أستشيره، سأفكر أكثر وسأستشير، وسأخبرك بما أصل إليه.. أستأذنك؛ فاليوم أنت مشغول بأمور عيادتك.. وأنت تستحق ذلك بثباتك على المبادئ، أستأذنك.
بابا عدت مبكرًا اليوم؟! نعم، لدينا في العمل ظروف جعلتني أعود مبكرا. ماذا تقرأ يا بابا، لقد كنت في ذهول وأنت تقرأ؟! كنت أقرأ كتاب يعرف بأنه كتاب المسلمين. المسلمين الذين يسمون بالإرهابيين؟ نعم. في مدرستنا طالب مسلم من الهند، هو كسول في الدراسة، لكنه طيب وليس إرهابيًّا. الإرهاب ليس له دين، دعك مما يقولون، ويمكنك أن تتعامل مع الناس حسب أخلاقهم. لكنه رغم طيبته أشعر بأنه منعزل قليلًا عنا. لماذا؟ لا أدري! لكن ربما من كثرة ما يقولون له بأنه إرهابي، أو بسبب سخرية بعض الطلبة من شكله. من الذي يقول له ذلك؟ أنا لا أحب ذلك، لكن بعض الطلاب يفعلون ذلك. يا بني مبادئ الناس وأخلاقهم هي ما ينبغي أن ترفع أو تضع الناس. نفس كلام إقبال. من هو إقبال؟ زميلي المسلم الهندي الذي أخبرتك.
نعم، في القرآن{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجُرات:13]؛ فلا فضل لأحد على أحد أيًّا كان لونه أو جنسه إلا بالتقوى. أليس الإسلام خاصا بالعرب؟ أنا فوجئت لما عرفت أن إقبال مسلم! عدد المسلمين يقارب المليار ونصف، وينتشرون من الصين إلى أمريكا، بل الغريب أن 80% من المسلمين خارج العالم العربي. كم أتمنى أن تكون هذه المساواة عندنا! ماذا؟! يعيرني بعض الطلاب بأني هندية ولست بريطانية، بسبب سحنتي وشكلي وبسبب أمي. هذا ممنوع يا بنيتي، وبإمكانك أن تخبري المعلمة. سأخبرها، لكني أعرف أنهم لن يوقفوا كلامهم إلا أمام المعلمة فقط.
حتى سالي تفهم الفرق بين النظام الأخلاقي وبين الأخلاق المجردة!
كم كان يوما طويلا! لحظة لو سمحتِ. ماذا تقرأ؟ أقرأ كتاب المسلمين، هل يمكنكِ أن تنتظري لحظة أنا مشغول؟ أين وصلت؟ لم أنته. تبدو مندمجًا جدًّا.
اسمعي ماذا يقول الرب في كتاب المسلمين {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ.1 رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ 2 ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحِجر:1ـ 3] لماذا اخترت هذه الآية أو المقطع بالذات؟ لا أدري لماذا أشعر بأن بعض مقاطع هذا الكتاب تخاطبني بالذات؟ ومنها هذا المقطع. وما الذي يخاطبك في هذا المقطع؟! كتاب مبين.. يود الكفار الإسلام.. يلهي هؤلاء الكفار الأكل والتمتع، لا أدري لماذا أشعر أن كل ذلك يخاطبني أنا؟ هل تقصد أنك أنت تود لو تكون مسلمًا؟! تخيلي، غير ممكن.. لكني أود أن أجد الإجابة على تساؤلاتي، وأن أجد طريق السعادة، وألا أنشغل عن ذلك بالأكل والشراب والمتع، لا أدري لماذا أشعر بأن بعض المقاطع تخاطبني شخصيًّا؟ أليس من الممكن أن يكون طريق السعادة هو الإسلام؟! ههههه، نفس كلام آدم، ورغم أني لا أظن ذلك، لكني سأرد على الإسلام علميا كما رددت على الأديان الأخرى وليس بمجرد الظن. بالمناسبة ما أخبار آدم؟ أنت رأيته بعدي، فأنا لم أره اليوم، فقد جدّ عليّ في العمل أمور كثيرة. بشر، ما الجديد؟! قدم لي كاخ عرضًا جديدًا بأن أسافر لألمانيا، ودون أن أتنازل عن مبادئي. وهل وافقت وانتهت المشكلة؟ لا، قلت له سأفكر، فأنا لا أود السفر الآن. إذن لم تعد المسألة مسألة مبادئ، وإنما مسألة رأي الآن؟ هكذا قال لي كاخ.. وفي الحقيقة ظهر بعد ذلك سبب آخر، فقد استشرت توم وله رأي آخر. وما رأي توم؟! يريدني أن أسافر إلى مصر. قلتَ لي ألمانيا؟ أعطاني كاخ خيارات: ألمانيا أو مصر أو أوكرانيا، وأنا أرغب في ألمانيا، وتوم يحثني على مصر. من أجل البحث عن تساؤلاتك إذن؟ نعم، لكني لا أود أن أذهب لبلد متخلف في أفريقيا بدلًا من دولة قوية كألمانيا.
لكن مصر خلاف التعرف على الإسلام والمسلمين هي بلاد الأقباط أيضا وبلاد الأهرامات والنيل. يبدو أنك تعرفين مصر جيدًا! نعم، بلاد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وبلاد أحد عجائب الدنيا الأهرامات، وبلاد أطول نهر في العالم نهر النيل، فقد كنت أعرف قبطيا أرثوذكسيًا وكان دائما ما ينتقد كاثوليكيتي.. ينتقد أنني متساهلة كما ننتقد نحن تساهلكم أيها البروتستانت. لأنكم انشققتم منهم كما انشق البروتستانت عنكم، هل أفهم من كلامك أنك مثل توم تؤيدين مصر بدلًا من ألمانيا؟ ربما، لكن الأمر إليك، أنا أحب البلاد ذات الحضارات القديمة، وربما تكون أنت تحب البلاد المتطورة حديثًا، رغم أنك ارتحت جدًّا في الهند. سأتأمل في الأمر، لكن يبدو أنك تؤيدين السفر من حيث المبدأ. رغم أني أود أن نجلس معا ونرتاح بعد أسفارك المتعاقبة، لكن التنازل عن المبادئ يجعل الإنسان يخسر نفسه، ولو ثبت على مبادئك ربما خسرت عملك، فربما كان هذا مخرج جيد لموضوعك. نعم، ربما كان هذا أفضل مخرج، على كل حال لدي فرصة إلى الغد للتفكير أكثر في الموضوع، وهل من جديد في موضوعكِ أنتِ؟ نعم، أعتقد أنه ربما يكون قد انتهى. انتهى؟! ما هو الذي انتهى؟ أظن أن هذا آخر شهر لي في العمل عندهم. وبعد ذلك؟ بدأت في ترتيبات التقديم لوظيفة أخرى، لا تشغل نفسك سأخبرك أولًا بأول، أود أن أجهز الغداء لسالي ومايكل.
مرحبا تبدوان اليوم في سعادة. الحمد لله أنا سعيد دائمًا، وسعادتي اليوم أكثر بك وبأخي آدم، ما أخبارك؟ بخير، كيف حالك يا آدم؟ أنا بأتم نعمة، ولله الحمد والفضل. جئت لأطمئن عليك وأستشيرك في أمر! تفضل. لن أطيل عليك، أنا دخلت في اختبار بين مبادئي وبين عملي، وبعد صراع اخترت مبادئي، فتيسرت أموري، لكن بسفر مفاجئ. كل من ثبت على المبادئ حتى لو بدا له أنه سيخسر سيكسب في النهاية.
اسمحا لي أن أضيف، ألم تقرأ في القرآن كيف انتصر الأنبياء بصبرهم على مبادئهم؟
لديكم أيها المسلمون كما في القرآن أن كل الأنبياء انتصروا، بل حتى عيسى انتصر ولم يقتل، أما نحن فلدينا أن عيسى افتدى البشرية بنفسه ليخلصها.
هههه، ولذا فالإسلام يقدر عيسى عليه السلام ويحبه أكثر منكم. لكنه لا يعطيه من الخوارق والطيبة والدفاع عن البشرية كما نعطيه نحن. بل يعطيه أكثر، يبدو أنك لم تقرأ القرآن، ألم تقرأ في القرآن قصة عيسى عليه السلام، وفي أكثر من موضع؟ أنا لم آخذ الترجمة منك إلا بالأمس، لكني قرأت معظمه، وقرأت قصة عيسى عليه السلام. إذا كنت قرأت معظمه؛ فأتوقع أنك قرأت ترجمة قوله تعالى في سورة مريم عليها السلام على لسان عيسى عليه السلام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31]، وقوله {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ} [مريم:33]، وترجمة قوله في سورة آل عمران {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:49]. نعم قرأت كل ما ذكرته، لكن الأعجب حفاوتكم بالمسيحية! هل تحب الصراحة؟ ههه، أكيد. أنتم لا تحتفون بعيسى عليه السلام مثلنا. كيف؟ أنتم ترون أنه صلب، ونحن نعتقد أن الله رفعه ألم تقرأ {فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا.64} [الكهف:64]. نعم. أنتم أو على الأقل بعضكم يعتقد أن الطاهرة مريم عليها السلام زنت والعياذ بالله. وأنتم من تعتقدون أنه أبو اليسوع؟ ليس له أب، فكما خلق الله آدم من غير أم ولا أب خلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب، ولذا تكلم وهو في المهد؛ ليدافع عن أمه الطاهرة. بل حفاوتنا بالأديان كلها منذ أبي البشرية آدم عليه السلام، فكل الأنبياء كانوا يدعون لشيء واحد هو التوحيد لله، وكل نبي كان يوطئ ويبشر بالنبي الذي بعده، ألم تقرأ في الترجمة {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6]، أليس كذلك في كتبكم؟! لا لم أقرأ ما ذكرت، ربما كان في الباقي الذي لم أقرأه، وهو كما قلت في بعض كتبنا فقط. مشكلة الإنجيل أنه حرف وكتب عدة مرات بكتابات مختلفة، خاصة في فترة اضطهاد اليهود للمسيحيين. أظن هذه مشكلة الكتب المقدسة كلها، هات لي كتابا لم يحرف. القرآن لم يحرف أبدًا بإجماع الأمم المسلمين منهم وغير المسلمين، بل لا يُعرف شيء أضبط في النقل على مستوى البشرية منه، وأظن هذه مُسَلَّمة حتى عند غير المسلمين، فقد نقله عن الرسول الآلاف، ونقله عن كل شخص منهم الآلاف، ولا يختلف في نقله واحد عن الآخر ولو بحرف، بل بما هو أدنى من الحرف. وما هو الأدنى من الحرف؟! في اللغة العربية لدينا شيء نسميه التشكيل، وهو صوت الحرف، وهو متفق عليه في القرآن، بل متفق حتى على طريقة قراءته ومده. ألا يوجد أي اختلاف بين نسخه؟ أبدًا، صحيح أنه يوجد قراءات متواترة مختلفة، لكن ليس بينها فروق إلا في اللهجة. كلامك يعني أنه يمكن أن يكون عيسى عليه السلام في قراءة أخرى قتل، وفي قراءة أخرى فدى نفسه؟ لا يمكن! القرآن واحد لا يمكن أن يختلف، ما أتحدث عنه اختلاف في النطق فقط، وغالبًا ما يكون نفس المعنى أو حتى نفس الكلمات، فقط تختلف طريقة النطق. إلى هذه الدرجة؟ أظنك تبالغ! يمكنك أن تقرأ ما يقوله مؤرخوكم ستجده متسقا مع ما أقول. لكن.. ألا ترى أنك مبالغ أو متحمس أكثر مما ينبغي؟ ربما، لكن آدم أخبرني بأنك تبحث عن إجابة تساؤلاتك من فترة طويلة، وأنك مررت على الأديان كلها تتعرف عليها، ووصلت إلى التعرف على الإسلام، وأخبرني أنك تحب الطرح العلمي المتزن بالحقائق.
نقاش رائع، لكن أعتذر عن قطعه.. أخبرني في ماذا كنت تود أن تستشيرني يا جورج؟ لقد أنسيتني يا باسم موضوعي. أعتذر لك يا جورج.
المهم.. بعد ثباتي على مبدئي وصلت إلى مفترق طرق؛ إما أن أسافر سفر عمل لا يتعارض مع مبادئي، أو أترك عملي، وأنا أميل إلى أن أسافر، وأحيانًا أشعر بأني متعب من السفر. أنت من سفر إلى سفر! نعم صدقت، لا رغبة لي في السفر صدقًا، لكن يبدو أنه المخرج الأفضل للأزمة التي لدي في العمل. تعب البدن أسهل من تنازل الشخص عن مبادئه، لأنه لو تنازل عنها؛ فقد تعبت روحه، إلى أين ستسافر؟ إلى ألمانيا أو أوكرانيا أو غيرها. كنت أتمنى أن يكون لبلد إسلامي، فكما سافرت للتعرف على المذاهب الأرضية، ثم للتعرف على اليهودية، ثم للتعرف على المسيحية، كنت أتمنى أن تسافر؛ للتعرف أكثر على الإسلام. ألمانيا، أو أوكرانيا، أو مصر. نظر آدم إلى الأرض وأرخى يديه: آه، كم اشتقت لمصر، أنا والشيخ باسم من مصر، أتوقع أنك ستتعرف على الإسلام أكثر لو سافرت إلى مصر. أَأنت مصري؟! نعم.. وأظنني أخبرتك بذلك سابقًا. ربما، لا أذكر. إن ذهبت إلى مصر فسأكلم بعض أصدقائي ليستقبلوك هناك، ويذهبون معك إلى الأماكن السياحية.
أخي مدرس رياضيات في القاهرة، يمكن أن يجهز لك كل ما تريد. رغم أني كنت أود أن أذهب لألمانيا، إلا أنني أرى كل من استشرته يقول لي سافر إلى مصر، ربما أرد على كاخ غدًا بالسفر إلى مصر. وأنا بانتظار ردّك لأكلم أخي. ليتني أسافر معك، اشتقت لمصر، اشتقت للناس وللمكان فلي قرابة السنتين لم أرجع إليها. ولماذا لا تسافر معي؟ سأخرج من المستشفى بعد غد إن شاء الله، واختبارات الجامعة بعد ثلاثة أسابيع. بما أنك بخير فهذا يكفي، وماذا تريد هدية من مصر أنت وباسم؟ ههههه، أحضر لي مصر كلها. ههههه.
«ليفي: ليس عندي جواب واضح، قرأت أجزاء منه فقط؛ فالفترة لم تكن كافية. حبيب: أكثر انضباطا في النقل من الكتب السماوية الأخرى. توم: أعتذر.. انشغلت بالعيادة، ولم أقرأ من كتاب المسلمين المقدس إلا القليل، ولكني سأقرأه. كاترينا: يبدو أنه من عند الله حقيقة. جانولكا: علميًّا القرآن ثابت النقل عن محمد بلا تحريف؛ فمن صدَّق بمحمد يجب أن يصدق بأن القرآن من عند الله».
«الرسالة الثامنة: أود أن نتعرف على الإسلام أكثر، ويحتمل أن أسافر لدولة مصر؛ لقضية طارئة، فمن لديه: مراجع ينصحني بها؛ للتعرف على الإسلام أو مصر. مسائل يود مناقشتها أو إثارتها. ردود يود إيصالها. انتظر ردكم خلال يومين أو ثلاثة، وسألخصه وأعيده إليكم كالعادة جورج».