مرحبًا آدم. أهلًا أهلًا.. حمدًا لله على سلامتك يا رجل. شكرًا لك يا آدم، وأتمنى أن أراك في أقرب فرصة. سآتيك غدًا، إن كان يناسبك؟ جيد، ولكن عندي سؤال، هل ترى أن أكمل الجلسات مع توم أم لا؟ أرى أن تكملها، لكن لماذا هذا السؤال؟ ولماذا الآن؟ لا أدري، ربما لأني أشعر أحيانا بأنه لا جديد! ماذا تعني بلا جديد؟ لا أدري، شعور غريب فقط. وأنا لا أدري أيضًا، كل ما أعرفه أن الأصل أن تستمر ما لم يبدُ لكَ شيئًا جديدًا، خاصة بأنه واضح أنك تستفيد كثيرًا، كما أن توم قد تغير للأفضل كما تقول. صدقت، ولا أدري لم أصبحت أرتاح إليه وأعامله كصديق وليس كطبيب؟ عمومًا هو مجرد خاطر، سأتصل به لآخذ منه موعدًا، ولكني أود أن أتناقش معك قبل الجلسة ـ إن سمحت ـ فلعلنا نتناقش غدًا في بعض القضايا.
لتكن بعد غد صباحًا، فقد أخبرني الطبيب بأني سأخرج بعد ثلاثة أيام في المساء. كما تريد يا جورج.
سعدت كثيرًا، فوضعك الصحي مستقر كما أخبرني الطبيب. نعم أنا بخير، ما أخبار السفر إلى روما؟ كل شيء جاهز تقريبًا، حجوزات الطيران، وحجوزات الفنادق، ومواعيد المقابلات مع بعض الشخصيات، والرحلات مع المجموعات السياحية. جيد، لكن ماذا تقصدين بالمقابلات مع الشخصيات؟ أعرف ما تريد، وقد رتبت لك مقابلات مع بعض القساوسة، وزيارة للفاتيكان. هذا ليس ما أريد أنا، بل ما تريدين أنت. نعم، أنا أريد، لكني لم أرتبها إلا لعلمي أنك تريد كذلك. صدقت، شكرًا لك يا حبيبتي. وهل ستجلس مع الطبيب توم قبل سفرنا أم بعده؟ قبله، الجلسة بعد غد هنا في المستشفى.. تبدين مهتمة بالجلسة؟ صدقت، لا أدري لماذا أشعر بأنك أسعد منذ بداية جلساتك مع توم. فقط لهذا السبب؟! نعم فقط لهذا السبب.. أو ربما لأني أشعر أن توم أصبح أفضل مما كان، ولا أدري لماذا؟ وأنا لدي نفس الانطباع، لكني أخشى أنه يخدعني. كل شيء ممكن، لكني أميل إلى أن التغيير حقيقي، وإن كان كل شيء ممكنًا. لكن لو كان يخدعنا فما هدفه من ذلك؟ لا أظن أن هناك مصلحة له في خداعنا، لذلك أعتقد بأنه صادق في تغيره. وأنا كذلك لولا مدير أعماله براد. أكره ذلك الرجل، ولا أدري لماذا أرى أنه غير مريح أبدًا؟
حتى توم يشتكي منه كذلك! ربما، لكن ذلك غير مقنع! بدل أن يشتكي منه، يمكنه أن يفصله ويرتاح منه. صحيح، ربما يكون هناك سببا آخر، لا أدري! عموما كنت أفكر أن أوقف الجلسات مع توم. أرى أن ذلك غير مناسب.. والرأي لك. رأيك هو نفس رأي آدم بالضبط، يقول لي: قد بدأت طريقًا ويفترض أن تكمله، ويلمح إلى تحسن توم، ويقول تابعت معه عندما كان سيّئًا، فهل تتركه عندما تغيّر وتحسّن. كلام منطقي وحجة قوية. توافقكما الدائم يجعلني أجزم بأنه كاثوليكي وليس بروتستانتيًا. هههه، أو ربما كان دليلًا على أن الكاثوليكية أقرب إلى الحق من البروتستانتية. ربما، وقد جمعت أسئلة كثيرة ومقارنات لعلنا نناقشها في روما. فكرة رائعة، فنحن سنكون في مركز الكاثوليكية، بل مركز المسيحية في العالم. ربما نكون في مركز الكاثوليكية، لكننا قطعا لسنا في مركز المسيحية، فنحن لا نعتقد بالبابوية البائسة.
لا تطلق مثل هذه الأوصاف مرة أخرى، سنناقش هذه القضايا في روما كما اتفقنا؟ ألا تشعر أنك متحامل على الكاثوليكية؟ هل تريدني أن أذكر انتقاداتنا على البروتستانتية المتفلتة؟ المتفلتة!! وصف جميل للبروتستانتية! ألا ترين أني لم أغضب مثلك رغم ما قلت؟! هههه، ربما، لأنك تعرف أنه وصف واقعي للبروتستانتية، ألستم تألفون دينكم كما تريدون، وتفهمون الكتاب المقدس كما تريدون، وهذا هو التفلت الذي أعنيه! ربما يكون كما قلت، أو لأننا أحرار من طغيان الكنيسة الرومانية وصكوك غفرانها. اتفقنا أن نناقش كل ذلك في روما، فهل ترى أن نقطع النقاش؟ هههه، اتفقنا، أود أن تتأكدي من الطبيب إن كان هناك شيء نحتاجه لنسافر في موعدنا، فأنا متحمس للسفر جدًّا. تقصد متحمس لمقابلة الأسقف!!
نعم؛ لأقنعه أمامك بخطأ دينه. رغم أني أعرف سخريتك، لكني حقيقة أجاهد نفسي لأكون حيادية في الرحلة، فهل يمكن أن تعينني يا حبيبي؟ أنت تعرفين كيف تستميلين قلبي يا حبيبتي، فإن غلبتك بالحجة غلبتيني بالعاطفة، ثقي أني سأبذل ما أستطيع. أحبك جورج، سأذهب الآن للطبيب للاستفسار عن حالتك وموضوع السفر.
ياااه.. هل ما تقرأ مهم لهذه الدرجة؟!
نعم، فأنا أقرأ عن مارتن لوثر وجون كالفن، وهما من أهم من أثر في البروتستانتية. تعني ألفوا وصنعوا الدين البروتستانتي. صدقت إلى حد كبير، لكنهم فعلوا ذلك؛ ليتخلصوا من أمراض الكاثوليكية وتقاليدها البالية... إذن أنت توقن أن البروتستانتية تأليف؟! للأسف نعم، حتى تحد من موجة الإلحاد التي دعت إليها الكاثوليكية بأسرارها وبابويتها، حتى صار لدى بعض الناس ارتباط بين الدين والتخلف ونقص العقل! فهل تريدين أن نتناقش في ذلك الآن؟ أوه.. مباشرة تقلب الحديث على الكاثوليكية، سنناقشه في روما، حتى تقتنع بأن البروتستانتية تأليف وتحريف للدين المسيحي. صدقت البروتستانتية تحريف عن الكاثوليكية، ولذا يكفرون بعضهم بعضًا، ويقاتلون بعضهم بعضًا.. حتى فرق البروتستانتية تكفر بعضها بعضًا، هل تعرفين كم عدد كنائس ومذاهب البروتستانتية؟ لا، هل تصل إلى مائة فرقة مثلا؟ ربما يعجبك هذا الخبر، ما بين ثمانية وعشرين ألف إلى أربعين ألف كنيسة ومذهب. أربعون ألف كنيسة ومذهب؟!
للأسف نعم، وهذا يذكرني بمذاهب الفرق غير السماوية، كالتي رأيت بعضها في الهند، وللأسف أيضًا أن الصراحة مع النفس صعبة! ألم أقل لك أن البروتستانتية تأليف! ثم ابتسمت وقالت: لكنا سنناقش ذلك في روما كما اتفقنا. أكثر من مرة تقولين ما تريدين، ثم تقولين النقاش في روما، ثم ابتسم وقال: لا بأس، فقط من أجلك، ماذا يقول الطبيب؟ أحبك جورج.. يقول الطبيب: إن وضعك الصحي رائع جدًّا، وإن العملية ناجحة بنسبة 100%، وإنك ستخرج قريبًا، ويكفيك بعد الخروج أن ترتاح يومين إلى ثلاثة أيام، ثمّ تمارس حياتك الطبيعيّة، ويمكنك أن تسافر دون أيّ مخاطر. وهل هناك أي احتياطات أثناء السفر؟ سألته فقال: أبدا، لا توجد أي احتياطات إلا الوصايا العامة؛ مثل ألا ترهق نفسك، أو تعرضها للخطر، وهذا ليس له ارتباط بالعملية كما يقول. جيد. ستكون رحلة رائعة، وسنجدد أيام زواجنا الأولى. ما أحلى أيام زواجنا الأولى! سنجددها وسنسعد في سفرنا، لكن سيكون هناك جديد فيها.. وما الجديد؟ وجود مايكل وسالي. رغم أننا سنضطر لتغيير بعض بنود الرحلة من أجلهما، لكنهما سيزيدان من متعتنا، أحبهما جدا. أعرف أني مقصر في حقهما، وأشعر بأنهما كبرا فجأة. سنعوضهما الفترة القادمة، أليس كذلك؟ نعم، وأعتقد أن أفضل هدية أقدمها لهما هي دلالتهما على طريق السعادة. طريق السعادة مرة أخرى! وثالثة ورابعة، لا أدري لماذا أشعر أني اقتربت من الوصول إليه؟ ربما نصل إليه معا في روما. هههه، تقصدين نصبح جميعنا كاثوليك مرة أخرى؟! ربما.. وربما غير ذلك. وتتركين الكاثوليكية؟! وربما تترك أنت البروتستانتية. على افتراض الاحتمال الآخر، هل لديك القدرة على ترك الكاثوليكية؟ أخذ مني القرار وقتًا وصراعًا طويلًا.. لكن الآن أستطيع أن أقول نعم، ولو كان قرارًا صعبًا. أنا فخور بك يا حبيبتي. بل أنا الفخورة بك يا جورج، لم ترض أن تعيش دون تحديد أهدافك، ووضع معنى لحياتك، وإجابة لتساؤلاتك. هههه، إذن مبارك لك أيتها البروتستانتية. هههه، بل مبارك لك القناعة والعودة للأصل، إلي الكاثوليكية أيها المعترض البروتستانتي.
هل لديك اختبار بعد خروجك؟ نعم، اختبار مصيري. في أي مستوى دراسي؟ لا أدري. يبدو أنك لا تود أن نتحدث، وأعتذر عن قطع قراءتك، ولكني إنما جئت لأفصل المغذي، وستبدأ في الأكل الطبيعي من الغد. أعتذر، لم أقصد ما فهمت، وإنما أنا حقيقة أشعر أني في اختبار لكنه ليس اختبارًا دراسيًّا. لم أفهم شيئًا مما تقول! ما دينك؟ أنا لا أثق بكل الأديان كثيرًا، لكني بروتستانتية.. كالفينية. أي من أتباع جون كالفن؟ نعم، وإن كنت لا أعرف ماذا جاء به من جديد؟ كل الذي أعرفه أنه أقرب للعقل واجتماع العقلاء من اللوثرية. وكيف عرفت هذا وأنت لا تعرفين الجديد الذي جاء به؟ أنا ممرضة، ولست راهبة، يبدو أنه حل الصراعات الدامية التي بين الكاثوليك والبروتستانت. وهل يعقل أن يتصارع أصحاب دين واحد؟! وهل يعقل أن يأتي شخص مثل كالفن ويعيد تصنيع الدين؟! لذا قلت لك لا أثق لا بالبروتستانتية ولا بالكاثوليكية ولا بكل الأديان، ولولا حاجتي للدين لما آمنت بالبروتستانتية. عذرا، ماذا تقصدين بحاجتي للدين؟ لا يمكن أن أعيش بلا دين، الحياة بلا دين عذاب وشقاء، كنت ملحدة، ثم انتقلت إلى العلمانية، وقد كدت أن أنتحر من الضيق الذي كنت أعيشه، وكنت أعرف خطأ ما أنا عليه في داخلي، فقررت أن أكون بروتستانتية بلا تفاصيل لا يمكن أن تفهم أبدًا.. الكلام معك ممتع لكني أستأذنك فلدي عمل. وهل ترضي البروتستانتية نفسك الذكية بدون تفاصيل كما قلت؟ أعتقد أنك تهربين من نفسك، ولكن إلى أين؟
ربما، إلى ما لا أعرف، كأنني ريشة في مهب الريح، لكن ربما أصل لما أريد يومًا، استأذنك.
جيّد أنت بخير. أعتذر على إزعاجك بالأمس. لا إزعاج، شكرا لك على لطفك، وأظن كلامك صحيح في أني أهرب من نفسي بلا هدف. لكن ماذا أفعل إذا كان الإلحاد والعلمانية عذاب، والتدين هروب؟ التدين ليس هروبًا، لكنك تهربين من دينك. لأنه دين كما تقول أنت يؤلف ويصنع، وليس دينًا من الله، فربما جاء من يعدل في الدين ليكون أفضل. ولكنه دين سماوي، أي من عند الله. أنت أعلم مني بالدين، لكن كيف يكون دينا سماويًا ويغيره كالفن أو لوثر أو غيرهما كما يريدون؟! بل إن اليسوع نفسه قُتِل قبل كتابة العهد الجديد؛ فألفه بعض طلاب طلابه. يبدو أنك فيلسوفة في الأديان! بل هاربة من نفسي كما قلت لي. وما الحل من وجهة نظرك؟ الحل هو ما انتقدتني به، الهروب من النفس. لا أظن الهروب من المشاكل يوجد لها حلا. وما الحل من وجهة نظرك إذن؟ أن ندخل في تفاصيل الدين ونعرف الحقيقة. أن نكون قساوسة ورهبانًا؟! حتى هؤلاء لديهم شكوك كبيرة، ولذا يغيرون في الدين بشكل دائم. أن نعرف الطريق لا يعني أن نصبح قساوسة أو رهبانا، أنا أحترم الرهبان والقساوسة، ولا أحب أن أكون منهم، ولكن الشك يجلب الشقاء، كما أن اليقين يجلب الطمأنينة. تبدو كاثوليكيًا، فهم يريدوننا أن نسلم للقساوسة والرهبان بلا نقاش، بل وبلا رجوع للكتاب المقدس بأنفسنا. لا يمكن أن أسلم عقلي لأحد ليكون واسطة بيني وبين ربي، أنا بروتستانتي. إذن علامَ تنتقدني وأنت مثلي؟! إلا إذا كنت لوثريا. هههه، حقيقة لا أدري إن كنت من أتباع كالفن أو لوثر أو غيره، ما أعرف أني بروتستانتي؛ لأن أبي وأمي كانا بروتستانتيين فقط. إذن أنت مثلي بالضبط، فكيف تصفني بالهرب من نفسي؟! لأني أنا أيضا هارب من نفسي. هارب إلى أين؟ إلى طريق السعادة. هههه، وأين هو أيها الفيلسوف؟ لا أدري، لكني سأجده. يبدو أنك صاحب ألغاز فلسفية، ورغم استمتاعي بالحديث إلا إنني مضطرة للانصراف، وبالمناسبة أنا متأكدة أنك ستجده؛ لأنك تمتلك الإصرار، فإذا وجدته فأخبرنا عنه. ما هو؟! طريق السعادة!
شكرا لك. أخبرتني زوجتك أنك مسافر لروما، فهنيئًا لك، فهي بلاد جميلة عريقة. نعم، سأسافر أنا وهي والأولاد، هل هناك وصايا صحية بعد العملية؟ لا أبدا، أنت بصحة جيدة.
يبدو أنك تقرأ في شيء مهم جدا، حتى إنك لم تعد تشعر بمن حولك! آدم..! مرحبا، متى وصلت؟ كنت أقرأ في تاريخ المسيحية القديم. جيد، وماذا وجدت؟ عندما تقرأ في تاريخ المسيحية القديم والجديد تجد تخبطا غريبا جدا! ألا ترى أنك مستعجل في نقد الكاثوليكية حتى قبل سفرك لروما؟ أنا لا أنقد الكاثوليكية. إذا لم أفهمك، ماذا تقصد؟
أنا أنقد الكاثوليكية والبروتستانتية وجميع الطوائف والأديان المسيحية. أنت ذاهب إلى روما، وستتضح الأمور لك أكثر بعد سفرك، فلا تستعجل، فربما يبدو لك ما ليس في خلدك الآن. هذا ما كنت أريد أن أستشيرك فيه. لم أفهم، ما هو الأمر الذي تريد أن تستشيرني فيه؟ بناءً على رأيك، فقد اتصلت بتوم وأخذت منه موعدًا أن نلتقي غدا، ولكني أعرف ماذا سيقول لي! جيد، أكمل ماذا سيقول لك؟ سيقول لي: ابحث في النصرانية وتعرف إليها عن قرب أثناء سفرك لروما، وأنا أشعر أني أعرفها إلى حد كبير، سواءً من قراءاتي أو من سفري للقدس أو من حياتي، فأنا بروتستانتي، ولا أشعر أن هناك شيئا جديدا سأضيفه في سفري. كم عمرك جورج؟ ثمان أو تسع وثلاثون، لماذا تسأل عن ذلك؟ صبرت ثمان وثلاثين سنة، ولا تستطيع أن تصبر حتى تسافر لروما، وتعود وأنت متأكد من قرارك، ألا ترى أنك مستعجل؟ ربما، لكني كلما ازددت علما بفرق البروتستانتية ازددت زهدا فيها. بما تنتقل إلى الكاثوليكية أو الأرثوذكسية إذن. ألم أقل لك إنك كاثوليكي؟ لكن صدقني بُعدي عن البابوية الكاثوليكية أكبر من بُعدي عن البروتستانتية. ربما تغير رأيك بعد السفر، جميل أن نتعامل مع الأفكار بانفتاح لا بأفكار مسبقة. ليس لدي أفكار مسبقة، فأنا قرأت أدبيات الكاثوليك والبروتستانت وتاريخهم ونتاجهم، لكني لم أقتنع بشيء. جيد، حاول أن تنفتح أكثر وتتأمل أكثر، ولا تستعجل؛ فبعد سفرك ستكون أكثر تأكدًا واطمئنانًا لقرارك. لكن هل يمكن أن يغالط الدين العقل أو العلم؟ قطعا لا.. لا يمكن إن كان الدين حقًا من عند الله.
فإن تعارض الدين مع العقل أو الواقع أو العلم أليس هذا دليلًا على كونه ليس الدين الحق؟ بلى، ولكن يجب أن نفهم أن العقل قاصر؛ فما لا تدركه لا يعني أنه مخالف للعقل أو العلم، بل يعني قصورنا البشري فحسب. كيف، وضح أكثر؟ كوننا لا نعرف كنه الله ولا ندركه بعقولنا؛ لا يعني أن الله غير موجود أو غير صحيح، وإنما يعني قصورنا البشري الطبيعي. رغم تعبي وكدي فلم أستطع أن أفهم أن الإله واحد ومكون من ثلاثة أقانيم إلى الآن، فهل هذا سر كاثوليكي من أسرار الكنيسة تريدني أن أؤمن به بلا نقاش؟ هناك فارق كبير بين ألا تستطيع إدراك أمر، وبين أن يتعارض مع العقل، فأيهما تعني؟ أعني الثانية، فهذا يتعارض مع عقلي ولا أستطيع أن أفسره. ما يتعارض مع العقل الصريح الصحيح لا يمكن أن يكون دينا صحيحا، أو دين الحق. وبهذا سنسقط إذن الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية. لماذا لا تنتظر حتى تعود من روما؟ ولو عدت بهذا الرأي فهذا يعني أني سأكون ملحدا أو علمانيا. وهل الإلحاد والعلمانية لا يتعارضان مع العقل لديك؟ يتعارض بشكل رئيس مع العقل، ولذا هربت منه إلى الدين، ثم هربت من الدين الأرضي للدين السماوي، ثم كرهت اليهودية كما هي عليه الآن، وبدأت أكره المسيحية، ولم يبق إلا أن أكون إرهابيًا مسلمًا. لا تتخذ قرارا حتى ترجع من روما، فربما تفهم وتقتنع. وإن لم أقتنع؟ ابحث في الإسلام لعله يكون طريق السعادة! ولماذا لم تبحث أنت في الإسلام إذن؟ وتصبح زير نساء إرهابيًا ورجعيًا. نحن في مرحلة البحث في المسيحية، وسأخبرك بعد عودتك من روما. لا أعرف لماذا تتكلم أنت وكاترينا وكأن روما ستقنعني أن أخالف عقلي، وأن أصدق وأؤمن بما يناقض المنطق! لم أقل لك خالف المنطق، لكني قلت لك لا تستعجل، وأنت عاقل، فإن اقتنعت وإلا فافعل ما تريد، ثم أنا جئتك بناءً على طلبك، ولم أفرض عليك شيئًا، فلماذا هذا الهجوم علي؟ عذرًا آدم، أنا عجول بطبعي، لكن صدقني أنا أريد أن أصل طريق السعادة بسرعة أكبر، كان أكثر ما يخيفني قبل العملية أن أموت وأنا لم أعرف طريق السعادة. ستصل بإذن الله، ولئن تصل متأخرًا خير لك من عدم الوصول، مع أنك لم تتأخر؛ بل تسير بسرعة كبيرة. أكرر اعتذاري لك آدم، ربما أكون مستعجلًا، وربما أكون مللت من هذه الموضوعات. إن كنت مستعجلًا حرصا على الوصول فهذا شيء، أما الملل فمعناه الوقوف وعدم الإكمال وهو كارثة. كارثة! ألا ترى أنك تبالغ؟! بلا إصرار، لا يصل الإنسان لشيء، ولا يحقق أي نجاح، والملل يعني عدم الإصرار، ثم ألا يتعارض هذا مع نفسية المستعجل التي تحملها بسبب حرصك؟ أتفق معك لكنك تتحمس بسرعة، ألم تلاحظ ذلك؟ ربما، لكن ألم تلاحظ أنك تقصد استفزازي؟ هههه أحيانا.. فأنت سريع الانفعال.
لقد اطمأننت عليك، هل تسمح لي بالانصراف؟
العذر لك، فمايكل وسالي لم يشاهدا أباهما بعد العملية، ولم يجلسا معه منذ فترة طويلة؛ فقد كان مسافرًا. عمّ تعتذرين؟! لقد أنهينا كلامنا واطمأننت على صاحبي، ولديّ عمل وأود أن أنصرف. أنا شاكر لك آدم، هل سأراك قبل سفري؟ أسعد بلقائك، وإن لم أرك فعلى الأقل سيكون بيننا اتصال، أستأذنكم.
لم أر صاحبك هذا إلا في المستشفى، لكنه شخص رائع ومهذب جدا، ومريح جدًّا ولا أدري لماذا؟ ربما لأنه كاثوليكي مثلك! كل الكاثوليكيين كذلك مهذبين ورائعين، لكنك سابقًا قلت لي إنك لا تعرف دينه. وإلى الآن لا أعرف، لكن حرصه على سفري لروما وتعرفي على الكاثوليكية وتوافقه الدائم معك في طريقة التفكير يؤكد لي أنه كاثوليكي، تخيلي كان اليوم يريد أن يقنعني أن أكون منفتحًا في التفكير في الكاثوليكية. هههه، جيد، فربما تكون منغلقًا في التفكير فيها، وربما تستفيد من أصحابك ما لم تستفد من زوجتك.. بالمناسبة أخبرت الأبناء اليوم بتأكيد سفرنا لروما، وها هم بين يديك فاستمع إلى طلباتهم.
اطلبا.. ماذا تريدان؟ أبي هل نسيت؟ ماذا نسيت؟ لقد طلبت منك أن أرى قلعة سانت أنجلو، وطلبت سالي أن ترى نافورة تريفي. أعتذر، فقد نسيت فعلا. أخشى أن تكون هذه الرحلة مجرد جلوس في الفندق لتقرأ وتعمل على الحاسوب وتتناقش طوال الوقت. أعدكما أن يكون هناك أوقات خاصة لكما. وعد يا أبي؟ وعد، وبشهادة أمكما أيضا. وأنا أعدكما أيضا، وأشهد على ذلك أباكما.
ما رأيكما أن ننصرف الآن وأدعوكما إلى وجبة في مطعم إيطالي؟ رائع! هيا بنا.
جورج.. جورج ألا تسمعني؟ هاه.. نعم، تفضل أكلمك وأنت في عالم آخر، في ماذا كنت تفكر؟! في موضوع أكرهه وأبغضه. وما هو؟! أكره التناقض ومخالفة المنطق والعقل. ماذا تعني؟ أَسمعت عن فضائح الرهبان؟! أوه.. نعم. كيف يعقل أن يتفرغ لعبادة الله أناس ليغتصبوا الأطفال بعد ذلك؟! كما يشرب الخمر أو يتعاطى المخدرات طبيب وهو يعرف خطرها وضررها! ولكن ماذا تعدون الطبيب الذي يتعاطى الهيروين فيكم؟ طبيب فاشل، يجب أن يطرد من المهنة ويشهر به! فإذا كانت الجهة المسئولة عن الأطباء ترقيهم وتكافئهم وتسكت عنهم، بل وتروج لهم ولمخدراتهم، بل وتعلمهم طرق ذلك، بل نظامها ودستورها يحث على ذلك! مستحيل، لكن لنكمل حديثنا، فهي جهة متواطئة سيئة، ويجب أن يُحَذَّر الناس من الأطباء ومن المستشفيات ومن الطب كله، ماذا تريد؟ أليست التعاليم المقدسة تعلم حتى الرهبان الجنس والزنا والفجور والاغتصاب؟! أليست الكتب المقدسة مليئة بمثل هذا حتى عن الأنبياء؟! فلماذا لا نعاملها كما تقول؟ لم أفهم شيئًا، بل الأصح لا أريد أن أفهم شيئا منك، هل تريدنا أن نلحد إذن؟! في عالم الطب نعرف جيدا أن كثير من الأطباء الملحدين حتى المتميزين منهم أقرب إلى أن يكونوا مرضى نفسيين، أو دعني أقول: على الأقل ليسوا سعداء في حياتهم، إن أردت نصيحتي اهرب من نفسك وأفكارك هذه ولو كنت مقتنعا بها، اهرب بأي طريقة.. باللعب بالخمر، بالنساء، بالعمل بأي شيء. وهل يمكن أن نهرب من أنفسنا ونشعر بالسعادة؟! للأسف لا يمكن ذلك البتة، لكن هذا الشقاء يعتبر نعيمًا بالنسبة لشقاء الإلحاد والبعد عن الله.. آسف لقطع الحوار الممتع، لكني جئت لأجيبك عن أي استفسار طبي فقط عن حالتك، وبأنك ستخرج اليوم مساء، وننصحك بمتابعة درجة الحرارة خلال اليومين القادمين أيضًا، فهل لديك أي سؤال؟ طبـي فقط؟! لا شكرًا.. فقط هل أحتاج بعد يومين الاستمرار في التأكد من درجة الحرارة؟ لا.. اليومين القادمين للاحتياط الإضافي فقط، وفي حالة استقرارها، فهذا يعني أنك استرددت صحتك كاملة.
هناك سؤال غير طبي فهل تأذن به؟ بشرط أن يكون سريعًا، تفضل. بما أنك تعرف أن الهروب لا يجلب السعادة، لماذا تهرب؟ خوفًا من الإلحاد، فهو الشقاء بعينه من وجهة نظري على الأقل. إما إلحاد أو هروب؟! لا خيار ثالث؟! ربما كان هناك خيار ثالث، لكني لم أهتدِ إليه، فإن وصلت له فأخبرني وأكون ممتنًّا لك.. أستأذنك وإن كان لديك أي استفسار طبي قبل خروجك يمكنك أن تخبر الممرضة كي تتصل بي، مع السلامة.
جورج أنا لا أعرف ما الحوار الذي كان يدور بينكما؟ لكني أعرف شقاء الإلحاد وهمه وغمه كما لا يعرفه غيري. لماذا الإلحاد شقاء كما تقولون؟ من أصعب الأمور ألا تجد من تركن إليه، وتفوض إليه أمرك، وتتعرف منه على دربك وطريقك. كيف أتعرف منه على دربي؟ عن طريق رسله وكتبه إلينا. وهل تتوقع أن يدلني على دربي راهبة مومس أو راهب مغتصب؟ لم أفهم؟ هل يدلني على دربي نبي مخمور زانٍ، أو كتاب جنسي مقدس؟ ماذا بك يا جورج؟ لماذا تتكلم هكذا اليوم؟ تعبت يا توم، أفكر جديًّا ألا أسافر لروما، أو أسافر للنزهة والسياحة فقط. لماذا.. ما الجديد؟ لا جديد، لكني قرأت ورأيت عن الجنس والعنف في التوراة والإنجيل. وهل هذا خاص بالكاثوليكية؟! ماذا تعني؟ العنف البروتستانتي أليس مثله أو أشد؟! أتعرف من قتل الشعوب الكاثوليكية في ألمانيا وغيرها في أكبر مذابح في التاريخ؟ نعم البروتستانت، لكني تعبت، ربما حتى البروتستانتية لا تنفع! جورج كن قويا كما عودتنا، وإياك والضعف، إن ثابرت وصممت ستصل لطريق السعادة، وإن انهزمت وضعفت فستؤول إلى شقاء الهم والغم. ماذا أفعل؟ لا أعلم، كل الذي أعلمه أنه لا يمكن أن يخفي الله الطريق إليه. أين هذا الطريق؟ أليس المسيحيون والمسلمون يؤمنون بالعهد القديم؟ ذلك الكتاب المليء بالجنس والعنف، كنت لا أصدق ليفي وهي تتحدث عن هذا، لكني أيقنت الآن بما تقول، هل تريدني أن أعطيك أدلة من العهد القديم؟! لا أحتاج أبدا، بل إن أردت أن أعطيك أدلة من العهد الجديد أيضا فعلت. لماذا إذن نتعب أنفسنا بالبحث في المسيحية والإسلام وهما يسيران في نفس الطريق؟ اتفقنا من البداية أن نسير في الطريق وأن نتعرف، ولا أعرف لماذا أشعر بأننا اقتربنا أن نصل إلى الطريق، فلا تستسلم في نهاية السباق.. جورج أنت لا تسير أو تبحث لنفسك، أنا أصبحت قراءاتي وأبحاثي معك، وأنا متأكد أننا سنصل، لكن لا تسألني كيف؟ لدي نفس الشعور، لكني كثيرا ما أشعر أنني ربما أتلاعب بنفسي وروحي، وإلا فكل الأدلة تدل على تيه وضياع عن الطريق، مع إني في داخلي أشعر بأني قريب. سافر إلى روما وتعرف على الكاثوليكية والبروتستانتية عن قرب، وشاهد وحاور عما قرأته، ولا تتخذ قرارك الأخير حتى تنتهي من كل الأديان السماوية. وسنبحث في الإسلام أيضًا؟! أكيد بلا شك، والبحث في شيء لا يعني الإيمان به، ألم تبحث وتقرأ وتحاور في البوذية والهندوسية واليهودية؟ ما الجديد إذن؟ ألم نتفق سابقا أن نترك الحكم حتى ننهي التعرف على كل الأديان السماوية؟! سأكمل وأنا لا أرى أمامي الآن إلا سدًا من الخرافة والعنف والجنس والتحريف في كل ما ذهب وما بقي من الأفكار والأديان، رغم أني متأكد في داخلي أنني سأصل إلى طريق السعادة. فكر أكثر في أنك ستصل لطريق السعادة، ولو كان الوصول وطريقه واضحا وسهلا لما احتجنا أن نبحث عنه! سأصل، وربما أفاجأ أن الحل بجواري سهل وواضح، ولكني لم أستطع أن أراه. ربما يكون الطريق هو الكاثوليكية أو البروتستانتية.. أو الإسلام. رغم قناعتي بأن كل هذه الطرق مليئة بالخرافة والدجل واستغلال الدين للوجاهة والمال والجنس لكنا سنكمل، فبماذا توصني؟ هل قرأت كثيرا؟
نعم، ولم يتعبني إلا قراءاتي، بالمناسبة: الكاثوليكية لا تريدينا أن نقرأ حتى الكتاب المقدس إلا بشرح من البابا، فما في الكتاب المقدس يجب أن نفهمه كما يفهمه البابا؟! وتريدنا أن نصادر عقولنا. صدقت، ولكن البروتستانتية تريد أن تؤلف الدين كما تريد، وتفهمه كما تحب، ولهذا انشقت وانقسمت كثيرا. بل أصل العهد الجديد يبدو أنه مليء بالتحريف، فسواء فهمناه كما يريد البابا أم كما نريد نحن فهو محرف، ألم أقل لك كل هذه الأديان لا تنفع وأنها خرافة؟ جيد، اقرأ أكثر، تعلم أكثر، ناقش أكثر، انفتح أكثر، عند ذلك سترى الطريق. لكن الكاثوليكية تقوم على الأسرار التي لا يصح مناقشتها، أسرار الكنيسة السبعة التي لا يفهمها إلا الرهبان!! ومناقشتها والتفكير فيها أو الاعتراض عليها كفر، مع أنها تخالف العقل والمنطق! حتى البروتستانت يؤمنون باثنين منها. ألا ترى أني كلما قلت لك شيئا قلتَ لي: البروتستانتية مثل ذلك؟ فهل أصبحت كاثوليكيًّا من ذهابك للكنيسة الكاثوليكية مع كاترينا؟ أعرف جيدًا كل ما تقول، ولكني أتكلم عن الكاثوليكية. لا أريدك أن تكون متحيزًا متحاملا على دين بلا علم وعقل، فإن كان بعلم وعقل فقل ما تشاء بلا تحامل. وما أقوله بعلم وعقل. وما أقوله أنا كذلك، وأردت أن تكون أكثر توازنا. آه.. صدقت، ربما أكون أكثر حدة على الكاثوليك، رغم أن أكثر ما أقوله عنهم موجود في اليهودية والبروتستانتية؛ بل وأتوقع الإسلام كذلك. ولذا دعنا نكمل رحلتنا الاستكشافية بنفس هادئة كما بدأنا، إلى أن تتضح لنا الأمور.. ألست أنت الذي تقول لي «ببساطة وبلا تعقيد»؟ نعم هذه من جمل آدم المعروفة. لذا كلما كان الإنسان هادئا كان أكثر اتزانا وأكثر عقلًا، كما أني أدعوك كما قلت لك من البداية بأن تتعرف ولا تتخذ القرار حتى تنجلي لك الأمور، فقد يكون القرار أنها اليهودية مثلا، فلم الاستعجال؟ ببساطة لا أعتقد أنه يمكن أن تكون اليهودية بحال من الأحوال، فأنا أكره العنف، والتوراة مليئة بالعنف، تخيل أنه في العهد القديم: (وملعون من يمنع سيفه عن الدم)، و: (قال الرب إله إسرائيل: على كل واحد منكم أن يحمل سيفه، ويطوف المحلة من باب إلى باب ويقتل أخاه وصديقه وجاره)، أيّ إرهاب هذا؟! أليس المسيحيون والمسلمون كذلك يؤمنون بالعهد القديم؟! فكن أكثر رفقًا، ولا تحكم حتى تتضح لك كل الأمور، وأنا متأكد أنك ستصل لطريق السعادة. هذه أكبر مشكلة في ظني، فالمسيحيون يرون أن العهد الجديد مكمل للعهد القديم، وأظن المسلمون كذلك، ولذا فكلها أديان عنف وإرهاب. هنا نقطتان: الأولى أنه لا يصلح الظن في هذه القضايا، بل يجب أن تبني رأيك عن علم، ثانيا: أتمنى أن تكون أكثر تدقيقا، فماذا يعني أن العهد الجديد مكمل للعهد القديم؟ هل يعني أنهم يؤمنون به أم لا؟ أتفق معك فيما قلت، فالظن ليس علمًا، كما أن التحرير والتدقيق من أهم القضايا، ولكن للأسف لم يحرر المسيحيون مصطلحًا مكملًا تحريرًا واضحًا، وليس أنا الذي لم أحرر، فالكاثوليك مثلا يمنعون أتباعهم من فهم حتى العهد الجديد، ويرون أنه ينبغي أن يفهمه الرهبان ويوضحوه للعامة مثلي ومثلك، وإلا لعلك تعرف نصوصًا في العهد الجديد مثل: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض، ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا)، أو: (أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي). وأنت تعرف أن لدى المسيحيين تأويلات لهذه الأقوال. نعم لدينا تأويلات، ولدينا نصوص معاكسة لها تدعوا للرحمة والمحبة، ورغم عدم منطقية التأويلات إلا أنها تبقى تأويلات، لكن لا تتناسق هذه التأويلات مع إيماننا بالعهد القديم المليء بذلك، وأفعالنا للأسف تدل عليها، ليس مع الآخرين فحسب، بل فيما بيننا، هل تريدني أن أذكر لك أمثلة على وحشيتنا؟! ليس هذا موضوعنا الآن، دعنا نضع الأمور في نصابها، وننظر بنظرة شمولية عامة، فلدراسة أي دين من المناسب التركيز على: إلهه، ورسوله، وكتابه، وعقائده، وأحكامه، تاريخه، وواقعه، وفي دارسة ذلك من الجيد التركيز على الأمور الكلية لا الأمور التفصيلية. جيد، كيف؟ بدلا من التركيز على قول معين في العهد القديم أو الجديد وتأويلاته، ننظر للكتاب المقدس نظرة كلية من حيث صحة وصوله، وكاتبه وما يدعوا إليه، وعقائده في الله وأنبيائه، وتبقى المنقولات التفصيلية مجرد شواهد لإثبات الأصل. جميل جدا، مع أني قرأت كثيرا في ذلك، ولكن يمكن أن أرجئ ذلك حتى أقرأ فيه أكثر وأناقش فيه أكثر. لتوضيح ذلك يفترض أنك انتهيت من موضوع اليهودية كما تقول، إذن من كتب العهد القديم؟ وماذا يدعو له؟ وما نظرته لأنبياء الله؟ يفترض أنه من عند الله. هل كتبه الله؟ هل كتبه النبي موسى؟ هل كتبه هارون؟ هل تعرف كاتبه؟ وأظنك مثل هذا تقول عن العهد الجديد؟ بلا شك، وإلا كنت متحيزا، هذه الطريقة في التفكير أقرب إلى إيصالنا لطريق السعادة، وألا ننشغل بالجزئيات التي فيها أخذ ورد. فكرة جيدة، واتفق معك فيها. وبعد عودتك من روما نكون قد استطعنا تقييم أهم دينين من الأديان السماوية، وسيبقى واحد وتتضح لنا الصورة الكلية، وتنتهي رحلتنا الاستكشافية للبحث عن طريق السعادة. فإن اتضح أنها كلها لا تصلح؟! لو كنت كما كنت سابقا لقلت لك نرجع للإلحاد، فأنا لم أجعلك تسلك هذا الطريق إلا لتعود للإلحاد، لكن الآن أقول لو اتضح أن كلها لا تصلح سنعود ونقيم عملنا بالكامل من البداية، وسنبدأ مرة أخرى في: هل الدين ضروري؟ ثم كيف نختار الدين؟ وهكذا حتى نصل إلى ما نحن فيه الآن، لكن ستكون الأمور قد اتضحت لنا أكثر. مشوار طويل جدا؟ أتوقع ألا نعود مرة أخرى، وأتمنى ذلك، ولكن المسألة مرتبطة بالعلم، بمعنى أنه كلما ازددنا علما ازددنا بصيرة، وبالعكس كلما زادت المناطق العمياء وزاد جهلنا بعدنا عن الوصول إلى إجابة التساؤلات، وبالتالي ابتعدنا عن طريق السعادة، أنا متأكد من أنك ستصل، ولكن اصبر قليلا. سأصل لا محالة، ثم ابتسم وقال: وأكثر ما يتعبني أني لا أرى الطريق إلى الطريق.
الطريق إلى الطريق واضح، لكن ما لا تراه هو الطريق، وكثيرا ما يحسب الناس الطريق إلى الطريق جزءا من الطريق الذي يبحثون عنه ولم يروه. فلسفة جميلة، ولكن بين لي وضوح الطريق إلى الطريق. ألست تعرف أنك من البداية ألغيت طريق الإلحاد والعلمنة؟ ثم ألغيت طريق الديانات الأرضية؟ ثم بدأت تفاضل بين الأديان السماوية؟ أليس كذلك؟ أتفق معك تماما، لكن ما ليس واضحًا لي كيف سنصل إليه؟ هذا ما قلته لك، ما ليس واضحا لك هو الطريق، لا الطريق إلى الطريق.
ههه، جيد لكن لنتجاوز ذلك، ماذا تنصحني في سفري؟ أوصيك أولا: بأن تستمتع بالرحلة، وتنزه أطفالك؛ فأنت تحتاج إلى أن تريح ذهنك، وترتب وتفرز معلوماتك الكثيرة التي جمعتها من قراءاتك ونقاشاتك، ثانيًا: استمر في قراءاتك ونقاشاتك، ولكن بعقل مفتوح، واهتم بالقضايا الجوهرية لا الشكلية، ثالثا: أكثر من التأمل الذي يساعد على الفرز والترتيب لمعلوماتك، ويساعدك على التركيز في القضايا الجوهرية. جيد، أعتقد أنها وصايا مهمة وسأجاهد نفسي عليها، فرغم راحتي بمجرد البحث عن تساؤلاتي إلا أنني أجد نفسي أصبحت أكثر حدة. الحدة سببها الضغط المتتالي على عقلك، ضغط معلوماتيّ، وضغط مَن حولك، لذا أصبحتْ حمولتك كبيرة، فخفف من أحمالك بالوصايا التي ذكرتها لك. نعم سأفعل، فقد وعدت أبنائي بذلك أيضًا. سفرًا سعيدًا، وألقاك بعد سفرك، وأنت أقل أحمالا، وأكثر معلومات، وأكثر انفتاحًا. ما أخبار براد يا توم؟
يبدو أن الموضوع بدأ يتطور، فقد بدأ بتهديدي بوضوح ببعض الصور والتسجيلات التي لديه. تهديدك! نعم، لديه صور قديمة غير أخلاقية لي مع بعض المريضات، ولديه تسجيلات من بعض الجلسات، وبدأ يساومني عليها، وإلا سيرفعها لمجلس اللجان الطبية، وإلى النقابات الطبية. وماذا يضرك لو رفعها للنقابات؟ تسحب مني الرخصة المهنية، بالإضافة للفضيحة العامة. يساومك على ماذا؟ على أن أعمل معه. في ماذا؟ هههه، في بيع المخدرات، وتنفيذ ما يطلب مني. أن يبلغ النقابات خير من أن تصبح مروج مخدرات. صدقت.. لكن لو طردت من المهنة فهذه كارثة كبيرة أيضًا. وماذا ستفعل؟ لا أعرف، سأتدبر أمري، أستأذنك مع السلامة.
«عزيزي حبيب لقد أجريت عملية جراحية ناجحة، وأبشرك أني بخير صحة وعافية، سأسافر بعد يومين إلى روما، وكم كنت أتمنى لو كنت هناك؛ لتفسر لي بعلمك وعقلك المفتوح بعض ما يشكل علي في الكاثوليكية. محبك: جورج» «صديقتي ليفي لقد أجريت عملية جراحية ناجحة، وأبشرك أني بخير صحة وعافية، سأسافر بعد يومين إلى روما، وكم كنت أتمنى لو كنت هناك لتفسري لي بعلمك وعقلك المفتوح بعض ما يشكل علي في التوراة وفي اليهودية. محبك: جورج»
بدأت إجراءات خروجك بعد قليل إن شاء الله. اشتقت كثيرًا للبيت وللناس وللسيارات. كانت فترة غيابك صعبة جدًّا علي وعلى أبنائي.. أما أنت فكنت مشغولًا في قراءاتك ومناقشاتك، هل جاء توم اليوم؟ نعم، وقد كانت جلسة رائعة. ألم أقل لك ذلك؟ نصائحك دائمًا موفقة، المهم متى سنخرج؟ بعد قليل، بقي أن أتم بعض الأوراق، سأذهب لأتمها الآن وأعود حتى نخرج وتخبرني في الطريق بما تم بينك وبين توم اليوم.
كاترينا اختيارك رائع جدا. شكرا أمي، تصوري أنه بجوار القلعة التي أريد أن أراها. ولا نبعد كثيرا عن النافورة التي تريدينها أيضا يا سالي. الساعة الآن السابعة مساءً، ما رأيكم نستمتع بالفندق، ثم نتعشى ونرتاح؛ لنبدأ جدولنا من الغد صباحًا بنشاط؟ حاضر بابا..
بابا لم أكن أظن أن الحضارة الرومانية بهذه القوة والجمال! الحضارة الرومانية حضارة عريقة جدا يا مايكل، وهي أعظم حضارات أوربا بعد الحضارة الإغريقية، كانت تبسط سيطرتها على جميع شبه جزيرة إيطاليا عام 275 ق.م، وخلال القرنين التاليين تمكنت روما من بناء إمبراطورية ضمت كل أوروبا وشمال أفريقيا أيضا، وقد اندمجت فيها الثقافة الإغريقية. أهم ما يميز روما هذه البيتزا، وليس التماثيل التي في الخارج. هل تعجبك هذه التماثيل يا مايكل؟ جميلة البناء.
ما أجمل تماثيل يسوع والعذراء! لا أدري لماذا تذكرني هذه التماثيل وتماثيل اليسوع أيضًا بتماثيل بوذا وغيره من الأصنام في الهند؟ وأشعر أنها شيء واحد. دعنا من هذا الآن، ولو أنهينا غداءنا سنتجه للجزء الآخر من الساحة.
«جورج أكتب إليك هذه الرسالة وأنا وليفي معا، وقد قرأنا رسالتك ونحن في غاية السعادة بنجاح العملية، وسنحتفل بعد قليل معا بنجاح عمليتك، أما بالنسبة لما يشكل عليك في الكاثوليكية أو اليهودية فنحن نسعد بأن نتحاور معك في ذلك، بل نسعد حتى بالتحاور في البروتستانتية والإسلام، فننتظر الحوار معك في هذه الموضوعات. حبيب و ليفي” ملاحظة من حبيب فقط: لا تنس أن تزور البابا في قداس السبت.
«مرحبا حبيب وليفي أنا الآن في روما بلاد الكاثوليك، وقريب من الفاتيكان الكاثوليكي، وسعيد بسعادتكما، بالنسبة للإشكالات التي لدي فسأكتفي بأن أنقل لكما نصًّا، وأنتظر تعليقكما عليه باختصار شديد.. وسأنقل لكما فقرة من كتاب «حكايات محرمة في التوراة» تأليف جونثانكيرتش، والفقرة تتحدث عن التوراة أو العهد القديم وهي بالنص كالتالي: إنه من البداية إلى النهاية كتاب عن السلوك المتوحش الهدام ـ حسب ما كتب ميشال فينتورا ـ وهو صحفي انتفخ عقله تماما بما وجده في التوراة «نساء يتزوجن الثعابين، أخوة يقتل بعضهم بعضا، شعوب تذبح عن بكرة أبيها، قبائل تهيم على وجهها في الصحراء، أطفال رضع يهجرون، وجريمة تتبع النبوءة، ونبوءة تتبع الجريمة، وراقصون يطالبون برؤوس الأنبياء»، ويصل فانتورا إلى استنتاج يقول: إن أي مجتمع يرفع التوراة إلى مركز الكتاب المقدس معرض للجنون، ومن المضحك حسب ما يضيف «أن نتوقع حضارة تستند إلى مثل هذا الكتاب، ولا يكون المجتمع غير متوحش وغير مخرب»، فهل توافقان فينتورا أم لا؟ مع ملاحظة أن جميع الأديان السماوية تؤمن بهذا الكتاب المقدس؟! تحياتي وأشواقي لكما. جورج»
حسب ما وصلني من أحد أصدقائي القساوسة أنك تبحث عن إجابات للأسئلة الكبرى؟ وأن زوجتك القسيسة اتصلت بصديقي القس لويجي ستيافنوا وأخبرته بذلك، فدعني أعرفك بنفسي. زوجتي ليست قسيسة، وستأتي بعد قليل، ويسعدني التعرف إليك، تفضل. أنا صحفي إيطالي، درست الفلسفة في الجامعة وأحببتها جدا، وبما أن أهم تساؤلات الفلاسفة ـ ثم ابتسم وقال: والأذكياء طبعا ـ هي الأسئلة الكبرى في الحياة؛ فقد بذلت سنينًا في البحث عن إجابة هذه الأسئلة. ولذا كلمك القس الذي كلمته كاترينا. نعم. وماذا كان نتيجة بحث السنين؟ هههه.. توصلت لنتائج مهمة ونقاط محددة. رائع ما هي؟! ببساطة.. لا شيء! لأن كل ما عندي نقد لواقع الأديان المخزي، وليس بناء أو فكرة متكاملة. وبماذا يمكنك أن تفيدني ونتيجة بحثك لا شيء؟! أنا في الحقيقة لدي تجارب مفيدة جدا يمكنني أن أفيدك بها، كما أنني قد أتمكن من الاستفادة من تجربتك، لكن نتيجة بحثي عن إجابة الأسئلة للأسف لا شيء! وهل تعتقد أنه يمكن أن تكون الإجابة لا شيء؟ أنت عميق وبسيط في وقت واحد، رائع أكمل. أكمل ماذا؟ أنا أسألك فأجب. الإجابة واضحة، ولذا لم أجب، أكيد أنه لا يمكن أن تكون الإجابة لا شيء، فأكمل. إذن توجد إجابة وأنت لم تصل إليها؟ القسمة العقلية تقول باحتمال وجود الإجابة واحتمال عدم وجودها. لا أعتقد أن العقل يحتمل عدم وجود إجابة، إذ هذا يقتضي أن البشرية تطوف في الضياع، مما يولد نظريات العبثية والعدمية التافهة. أنت فيلسوف مبدع، هذا هو نفس رأيي، وإنما قلت ما قلت لأرى ماذا تقول.. لكن في رأيك أين أجد الإجابة عن أسئلتي إذن؟ أنا أبحث ولم أجد حتى الآن، فما رأيك أنت؟ عدد من أصدقائي ملاحدة أرادوا أن يقنعونني بأن الحياة ليس لها علاقة بالله، وبأن إجابة الأسئلة يمكن أن يكون بطريقة علمية مختبرية، أو بصدفة محضة. جيد، وهل أجابوا عن أسئلتك؟
الإلحاد فلسفة تافهة، لا تعدو أن تشبه قصص وأساطير الخرافة البائدة، ولو تلبست بالعلمية وبالفكر، صدقني أنا أعرف الإلحاد جيدا وناقشته مع كثير منهم. تبدو متحاملًا على الفكر الإلحادي والعلماني. أخشى أن تكون ملحدًا؛ لذا تدافع عنهم، لكني سأتحدث معك بصراحة، واسمح لي بالتفصيل. كل ملحد يعرف في داخله أنه مخطئ، أنا كنت ملحدًا، وعشت فترة من الزمن في الإلحاد، فالإلحاد هو فقط نوع من الهروب من مشاكل الأديان، ولا يحمل فلسفة ولا نظرية ولا دليلًا عقليًّا أو علميًّا، أما العلمانية فهي تؤمن بالدين، لكنها تود أن تفصله عن الحياة لنفس سبب الملحد. كيف؟ مشكلة تصارع الدين مع العلم مشكلة مزمنة قديمة، فعند التعارض بين الدين والعلم، مصداقية العلم أعلى لدى الناس من مصداقية الدين. وهل يمكن أن تكون علومنا أفضل من العلوم التي جاءت من عند الله؟ طبعا لا، لكن هل يمكن أن يأتي من عند الله ما هو خطأ أو مستحيل؟! ماذا تقصد؟ لما يسمع أو يقرأ الناس وصايا في الكتاب المقدس تأمرهم مثلًا بالقتل أو الزنا أو شرب الخمر، وهم متأكدون من ضرر هذه الأمور عقلًا وأدبًا وعلمًا، ماذا تريدهم أن يفعلوا؟ إذن أنت وصلت للعلمانية لتريح نفسك من إجابة الأسئلة الكبرى. للأسف.. إن العلمانية لا تريح البتة، لكني أتحدث عن من يعتنق العلمانية، هو يحل مشكلة التعارض بين الدين والعلم، ويحل مشكلة التاريخ، بل لو أردت الحقيقة فالعلمانية تتناسق مع الدين المسيحي كثيرًا. جميل.. وضح لي النقطة الأخيرة. الطريقة البابوية طريقة تجعلك تفعل ما تشاء؛ لتبيع لك صك الغفران وتنتهي مشكلتك؛ وبالتالي يمكنك أن تفعل ما تشاء بعيدًا عن الدين، ثم تشتري صكًّا للغفران. لكن البروتستانت لا يؤمنون بذلك، أليس كذلك؟! نعم، وربما ذلك لأنهم أقل تدينًّا، وليس لأنهم لا يفصلون الدين عن الحياة، بل هم يفصلونها رسميًّا، فأكبر داع في ظني للعلمنة بل وللإلحاد هو الكنيسة! على أيّ شيء أنت؟! وعلى أي دين؟! مرة تدافع عن الإلحاد، ومرة تدافع عن العلمانية، ومرة تدافع عن الكاثوليكية! أنا لا شيء، ألم أقل لك النتيجة لا شيء؟ وماذا عنك أنت؟ بروتستانتي لأن أبي وأمي كانا كذلك، ثمّ لا شيء! ههههه.. إذن نحن مثل بعضنا. وهل ارتحت لما وصلت للاشيء؟ وهل تشعر أنك وصلت؟ اللاشيء ليس شيئًا يوصل له! وربما هذا سبب نشوء وتطور وتنوع المذاهب والتيارات العبثية لدينا في الغرب. التيارات العبثية؟ هههه، نعم التيارات التي تبني دينها على لا شيء أو على تفاهة تساوي لا شيء بعيدًا عن الدين. هذه كارثة اللاشيء إذن؟! بل الكارثة أن أسئلة الحياة لم يجب عنها. لماذا لا تتناساها وتهرب منها؟ لم أستطع، ولا أعتقد أن ذكيًّا أو عاقلًا يستطيع ذلك. هل تقصد أن غالبية الناس مجانين وأغبياء؟ بل أقصد أن غالبية الناس لا يستطيعون أن يتناسوها وتنغص عليهم حياتهم وتذهب سعادتهم. أنت فيلسوف، لكنك متشائم، ولا تملك ولم تصل إلا للعدم، ما الحل إذن؟ الحل عندي في الاستمرار، إلى أن نجد الإجابة عن الأسئلة.. وأنت ما الحل عندك؟ هو ما قلت فقط، لكني أختلف عنك في أني أشعر أني سأصل للإجابة قريبًا جدًّا. التفاؤل نعمة من الرب، وأرجو أن يكون تفاؤلك في محله، لكن التفاؤل لا بد أن يكون لديك دليله. دليله أن تسير على الطريق بلا تشاؤم أو تردد أو شك. مبدع.. رائع، وأين وصلت في الطريق؟ أنهيت الإلحاد والديانات الأرضية، وهي لا تفيد كما ذكرت، ثم بدأت بالتعرف إلى الأديان السماوية، وأنا أتعرف على المسيحية الآن.
أنا كاثوليكي من حيث المنشأ، ومع ذلك أقول لك أنا لا أصدق شيئًا من الكاثوليكية، فهي مجموعة خزعبلات وأسرار ومتناقضات. لماذا لا تصبح إذن بروتستانتيا؟ أعتذر إليك أيها البروتستانتي؛ فقد بدأت بديني أولا، فالبروتستانتية محاولة هروب من خزعبلات الكاثوليكية، لكنها محاولة فاشلة صاحبها قلة تدين، ولذا فقد جمعوا جزءا من خزعبلات الكاثوليكية وأسرارها، مع قلة التدين. وضح لي أكثر، تبدو غامضًا أحيانًا. أليس كلاهما ـ أعني الكاثوليك والبروتستانت ـ يعتمدان على الإنجيل؟ وما يتضمنه من عهد قديم وعهد جديد هما منشأ الخرافة والخزعبلات. كيف تقول هذا عن الكتاب المقدس المنزل من عند الله؟!
كأنك صاحبي القس، سأجيبك بما أجبته به.. أجبني بشجاعة هل تستطيع أن تثبت أن الموجود بين أيدينا هو المنزل من عند الله؟ أنا أستطيع أن أثبت أن بعضه على الأقل ليس من عند الله. كيف تثبت ذلك؟ بأدلة كثيرة، منها: اقرأ إن شئت في تاريخ تدوين الكتاب المقدس، حتى من يقول إنه من عند الله تصدمه الوقائع التاريخية، انظر في تضارب، بل وتناقض النسخ المختلفة منه والترجمات المختلفة، بل اقرأ إن شئت تناقض النسخة الواحدة، اقرأ إن شئت في بعض الحوادث التي تجزم أنها ليست من الرب، أو أن الرب هذا شرير، هل تريد أدلة أخرى؟ هل تريد تفصيلا في أي دليل؟ أتفق معك في أكثر ما قلت، وإن كنت أود أن أتناقش مع القسيس في هذا وغيره؛ لأسمع منه. أنت غريب، إذن لماذا تجادلني في هذا؟ إذا كان الوضع كما قلت فما الحل؟ قلت لك نتيجتي لا شيء. عذرا، لا شيء تعني عدم معرفة، وأنا أريد من يمتلك معرفة وعلمًا. ما تقوله صحيح، لكني لا أمتلكها. ومَن برأيك يمتلك الجواب؟ لو أعرفه لانتهت معاناتي منذ فترة طويلة. أود أن أقابل أحد القساوسة إن سمحت؛ لأني أود أن أسمع ردودهم على هذه الحجج وغيرها.أصدقائي القساوسة كُثر، هل تريد المتحجرين منهم أم المنفتحين؟ وهل تريد العلماء منهم أم المتعالمين؟ إذا كان بإمكاني الانتقاء، المنفتح أفضل بلا شك من المتحجر، لكن الأهم الأعلم، فأنا أريد الأعلم، سواء أَكان منفتحًا أم متحجرًا. اطمئن، فكلما زاد علم شخص زاد انفتاحه، سأرتب موعدا مع صديقي القس لويجي ستيافنوا الذي كلمته زوجتك، فهو من أعلم من رأيت من القساوسة، وأكثرهم انفتاحًا. غدا أو بعد غد وسأبلغك بالموعد. أشكرك جدا. أتفهم ما تقول جدا، وأشعر بالسعادة لخدمتك.
أشعر أنني أتعبتك لكن لدي سؤال، هل بحثت في الإسلام؟ لا.. مجرد قراءات يسيرة، وحوارات صغيرة. لماذا؟ الإسلام دين العنف والجهاد وظلم المرأة والتخلف، وغير ذلك كثير. وكيف عرفت كل ذلك وأنت لم تبحث في الإسلام؟ مالك المطعم المجاور لبيتنا مسلم من مصر، وأتناقش معه أحيانًا. وهل يقول ذلك عن نفسه؟ لا يوجد أحد يقول عن نفسه مثل ذلك، لكنه يقول أنه مسلم متحضر، وليس كالمسلمين المتخلفين، ولما سألته عن سبب تخلف المسلمين، قال: السبب هو الدين الإسلامي، إذ إنه يدعو إلى التحجر وقتل المخالف، وحبس المرأة وسجنها، بل وضربها. عجيب جدًّا، هل يمكن أن أقابله أيضا؟ أنت غريب جدا، ماذا تريد منه؟ على كل الأحوال يمكن أن تتغدى أو تتعشى في المطعم القريب من بيتنا أي يوم، ونتحدث معه قليلًا. جيد، لكن لدي سؤال آخر إن سمحت لي. تفضل. كيف يرسلك القس لي وهو يعرف رأيك في الكاثوليكية؟ ألم أقل لك إنه منفتح؟ كثيرًا ما أشعر أنه مقتنع بما أقول، لكن لا يعرف ما هو الخيار الأمثل! رأي ذكي، فإذا لم تتبين لنا طريقة لإجابة تساؤلاتنا فما نحن عليه خير من الضياع والعدم. صدقت، وأرجو ألا يكون ما أنا عليه ضياع أو عدم، ولكني لا زلت أبحث. عذرا، لم أقصد الإساءة إليك أبدًا. أعرف ذلك.
حمدا للرب، وصلتُ قبل انصرافك، أنت من طرف القس لويجي ستيافنوا؟ نعم، إذن أنت زوجة جورج، يقول القس عنك بأنك من أكثر كاثوليكيين بريطانيا تدينًّا، رغم أنك لم تترهبني. شكرًا لك وللويجي، هو أستاذي فقد تتلمذت على سماع محاضراته ومواعظه. سأرتب لكما موعدًا معه غدًا أو بعد غد. رائع.. إذا كان جورج موافقًا. جورج هو الذي طلب هذا، كما أنكما ستتناولان وجبة في مطعم الفخامة. رائع، سأقابل أستاذي.. ولكن لماذا المطعم هذا بالذات؟ أخبرها يا جانولكا.. ليقابل أحد المسلمين. لماذا؟ لا أعرف، ولكنه يريد أن يسمع منه عن تخلف الإسلام وهمجيته. وما لم يقله لك هذا المسلم سأقوله لك أنا، وبإمكانك أن تنظر إلى دولهم المتخلفة لتستنتج تخلف دينهم. عمومًا هذه بطاقتي، وأسعد باتصالكما لأي استفسار ديني أو سياحي، وسأتصل بكما لأؤكد لكما الموعد مع صديقي القس لويجي ستيافنوا، إلى اللقاء.
كيف كان اللقاء، تمنيت أن نعود مبكرًا لألتقي به. رائع جدا، شكرًا لك. طبعًا.. لن يرسل القس إلا شخصًا عالمـًا متدينًّا كاثوليكيًّا. نعم.. هو فيلسوف وعالم، لكنه ليس متدينًّا كاثوليكيًّا كما تقولين. عجيب! قال لي بأنه صديقه. نعم هو صديقه. هل ممكن أن يصادق القس شخصًا غير متدين؟! عمومًا، المهم أن يرتب لنا الموعد مع القس؛ لعلنا نستفيد منه. جيد أن نستفيد من كل شخص، فما بالك إذا كان قسًّا، على كل الأحوال ماذا فعلتم في السوق؟ كانت نزهة ممتعة، لعب الأطفال في ملاهي السوق، ثمّ أخذنا جولة سريعة اشترينا فيها بعض الأغراض.. ولم يؤخرنا إلا الطريق. ماذا سنزور اليوم من معالم المدينة؟ اليوم سنزور قلعة سانت أنجلو من أجل مايكل، وهي قلعة رائعة وقريبة، وستأخذ منا وما حولها كلّ اليوم. لنذهب الآن. أين مايكل وسالي؟ في غرفتهم يلبسون أحذيتهم الجديدة؛ لننطلق الآن.