كاترينا يا حلوتي.. هل تريدين شيئًا من تل أبيب؟ أريدك أن تزور كنيسة القيامة، وكنيسة السيدة مريم وتصلي فيهما. لقد قرأت عن كنيسة القيامة الكثير، هذه الكنيسة بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين عام 335م، وقد تم بناؤها فوق (الجلجلة) في الموضع الذي اكتشفت فيه الخشبة التي قيل إن السيد المسيح عليه السلام صلب عليها، ودام بناؤها 270 سنة، ثم أحرقها الفرس عندما احتلوا القدس، وأعاد بناءها الراهب مودسطى رئيس دير العبيدين في ذلك الحين عام 617م، ورممت الكنيسة بعد ذلك مرارا ولاسيما في عهد قسطنطين عام 1048م، وعندما احتل الصليبيون القدس عام 1099م جمعوا المعابد المتفرقة في كنيسة واحدة وهى الكنيسة القائمة الآن، ورغم أنها ليست مقدسة عندنا البروتستانت، إلا أني سأزورها وأصلي فيها من أجلك، وسأسعى أن أصلي في كنيسة مريم عليها السلام أيضًا، هل تريدين شيئًا آخر؟ شكرًا لك، يبدو أنك قرأت الكثير عن القدس! ليس كثيرًا جدًّا، ما زلت أواصل القراءة.
القدس أهم أماكن المسيحيين لا اليهود، فيها صلب المسيح، وفيها الكثير من الكنائس التاريخيّة. رغم أن مدة إقامتي في إسرائيل قصيرة جدًّا، لكن سأحاول زيارة المعالم المسيحية والاجتماع مع المسيحيين. آه.. كم كنت أتمنى أن أزور هذه المعالم بنفسي وأصلي فيها للرب. ولماذا لا تأتين معي؟ لا أستطيع الآن؛ فلدي ارتباطات كثيرة في العمل، وفي الكنيسة، ولعله في المستقبل بعد أن يرفع الظلم الذي نحن فيه. ظلم؟! اليهود في سبيل إظهار ما يدعون من تراثهم في القدس أهانوا الكنائس والمسيحيين في القدس. تاريخ القدس تاريخ مثير، فيه كل الصراعات بين الأديان السماوية، وبالمناسبة مما يقال عن القدس أنها تعرضت للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة، ولا زالت الأديان السماوية تتوقع فيها ملاحم كبرى، فهي بحق أرض الملاحم، لكني أتعجب من كلامك.. بريطانيا هي التي سلمتها لليهود! فأين الظلم؟ للأسف نعم، إلا أن ما تقصد ـ ويسمى وعد بلفور ـ كانت له أسباب سياسية وصراعات قوى. كيف ذلك؟ وما هي هذه الأسباب؟ من الأسباب: دخول بريطانيا الحرب العالمية الأولى (1914م ــ 1918م)؛ حيث كانت بريطانيا بحاجة إلى الدعم اليهودي (سياسيًّا وعلميًّا) خلال الحرب العالمية الأولى، في نفس الوقت كانت الحركة الصهيونية تبحث عمن يدعم مشروعها بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين. تبادل مصالح فقط؟! لا، كان هناك أسباب أخرى أوروبية: مثل الرغبة في إخراج اليهود من أوروبا؛ إذ إن جزءًا كبيرًا من اليهود لم يستطيعوا الاندماج في مكان إقامتهم، وكانوا يعملون كجسم منفصل عن الدولة، وأسباب أخرى تهدف لزرع قوة مختلفة في فلسطين التي هي الجسر الذي يوصل بين مصر وأفريقيا وبين العرب والمسلمين في آسيا، وأسباب في توازن القوى؛ فسيطرة اليهود على بعض المناصب الحساسة في دولة الخلافة العثمانية التي كانت تشكل خطرا على أوروبا، وتريد بريطانيا وراثة هذه الدولة. تبدين متحاملة على بريطانيا! أبدًا، أنا متحاملة على السياسة التي لا تفكر في الدين، ألم يكن الأولى احتلال القدس ووضعها عاصمة مسيحية؟ إذن المطلوب هو احتلال من نوع آخر مسيحي بدل اليهودي!! أما أنا فأخالفك الرأي فأنا أعتقد أن جزءا من وعد بلفور ديني. ما السبب الديني من وجهة نظرك؟ لقد كانت التأويلات الخاطئة لتعاليم المسيحيّة هي التي جعلت تيّار الصهيونيّة ينتشر انتشارًا واسعا داخل الكنيسة المسيحيّة ويبرّر أعمالا عنصريّة وجرائم حرب باسم الدين. عذرًا هذا ليس لدى الكاثوليك. صدقت هو لدينا ـ البروتستانت ـ أكثر بكثير، فلدينا جماعات تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية؛ لأنها تتمم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. ويعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ثم ابتسم وقال: ولذا في الحقيقة أنت تنتقدين البروتستانتية لا بريطانيا، عمومًا إسرائيل أصبحت واقعًا الآن. لكن كنائسنا ومناطقنا المقدسة وقساوستنا ينبغي ألا يضطهدوا. الظلم سيء في كل أشكاله وصوره، سواءً كان يهوديًا أو مسيحيًا، وهذه ليست أول مرة يضطهد المسيحيين من اليهود، أليس كذلك؟! بلى، فابتداءً من عيسى عليه السلام الذي ضحى بنفسه من أجل البشرية، والذي قتله اليهود، ثم اضطهاد أتباعه، وحتى اضطهاد إخواننا في القدس. هههه، يبدو أني دخلت في معارك الأديان وملاحمها قبل وصولي للقدس، هيا لننام قبل أن يمضي بنا الوقت، يجب أن أنطلق للمطار بعد منتصف الليل.
أهلًا.. أهلًا بك في البلاد المقدّسة أورشليم. مرحبًا، كم أنا سعيد بوصولي لهذه المدينة المقدسة. أخبرني كاخ بأن رحلتك مختصرة، أربعة أيام فقط. نعم، لا أحبذ السفر المتواصل، وقد كنت قبل مجيئي إلى هنا في الهند، ولكن كاخ أصرّ عليّ وشرفني بزيارة البلدة المقدسة. لقد رتبت كل شيء، وسيوقَّع العقد خلال يومين؛ فلا تهتم كثيرًا للموضوع، وحضورك فقط لتأكيد أن العقد مرّ بطريقة طبيعية. هذا جيد. هل نذهب للفندق أم للشركة؟ للفندق؛ لأضع حقيبتي، ثم نتجه للشركة مباشرة. جيد، فبعد غدٍ السبت وليفي لا تعمل يوم السبت، وربما تحتاج أن تجتمع معها اليوم وغدًا، ليفي امرأة متدينة جدًّا وتقنية بارعة، ويهمها أن يكون برنامج الحماية أقوى من قدرة الإرهابيين على اختراقه. برنامج الحماية الذي قدمناه لكم قوي جدًّا، فلا تقلقوا من ذلك. ركز مع ليفي على ذلك، وعلى حرصك على حماية أمن إسرائيل، فهذا ما يهمها جدًّا، بل ستفاجأ أن الحوار معها يأخذ أبعاد عقَدِية وفلسفية غير التقنية. عقدية وفلسفية؟! نعم، وهذا جزء من طبيعتها السيئة، عمومًا لو واجهتك متاعب في التعامل معها أخبرني، ثم ابتسم وقال: فهي رغم عنادها لا ترد لي طلبًا البتة. جيد.
ستأتي المشكلة الآن. المشكلة! لماذا؟ تعصبها الديني يجعلها لا تفهم الحياة بطريقة مناسبة، كما أنها تعشق الجدال وتحبه ولا تتضايق منه، إلا أنها في الآخر تلين بالضغط.
ليفي مدير القسم التقني في شركتنا.. ثم أشار إلى جورج: وهذا جورج مسئول القسم البرمجي في شركة الإلكترونيات المتقدمة من بريطانيا. أهلا وسهلًا بك، شكرًا لحضورك فلدي استفسارات تقنية وفنية كثيرة. أسعد بإجابتها. بإمكانكما أن تعقدا اجتماعًا في غرفة الاجتماعات إن أردتما. حسنا، تفضل سيد جورج.
تفضل. شكرًا لكِ، يبدو أنكِ لست مرتاحة لبرنامج الحماية الذي قدمته شركتنا؟ لا، ليس هذا المقصود، وإنما أريد الاطمئنان، فأمننا كيهود وحمايتنا أهم قضية تشغلني. البرنامج من أقوى برامج الحماية، لكني أشعر أن لديكم فوبيا تجعلكم تتشددون في الأمن والحماية. ماذا تقصد؟ حماية الحيّ وحماية المبنى لم أرَ مثلها في حياتي! نحن شعب مضطهد طوال التاريخ، وأعتقد أن مهمتي حماية هذا الشعب قدر استطاعتي. جيد، وستكون مهمتي مساعدتكم التقنية في ذلك. تساعدنا! لماذا تساعدنا؟ لم أفهم! أساعدكم ببرنامج الحماية المتميز الذي سنوقع العقد عليه. أعتذر لك، لكني اعتدت أن كل الناس ضدنا نحن اليهود. أنا بريطاني مسيحي بروتستانتي، أوليس الذي أعطاكم هذه البلاد وهذا الوطن بلفور البريطاني المسيحي البروتستانتي؟ هذه بلادنا وأرضنا، ولم يعطنا إياها أحد، ويجب أن نحميها بأنفسنا. يبدو أنكِ تحبين النقاش كثيرًا، فهل تحبين الصراحة؟ أحب النقاش وأعشقه وأحب الصراحة وأريدها. إذا كنتِ تحبين الصراحة كما تقولين، فمن أين أنت؟ يبدو أنك أوروبية؟! أنا من إسرائيل. أبوك وأمك هل ولدا في إسرائيل؟ أبواي نمساويان جاءا عام 1970م، وولدت أنا هنا في إسرائيل، ولذا فأنا إسرائيلية ولو كنت أملك جنسية نمساوية. أنتِ إذن نمساوية تحمين إسرائيل، وأنا بريطاني أقدم لك برنامج حماية. لكني يهودية وأنت بروتستانتي! هل أبوك يهودي؟ لا، لقد كان مسيحيًّا ملحدًا، إلا أن اليهودية تأتي من الأم وليس من الأب.
بصراحة أنا جئت للقدس لأمرين: الأول توقيع العقد، والثاني أريد أن أتعرف على اليهودية؛ فقد أصبح يهوديًا، فهل لديك مانع في أن نتحدث في الدين بعمق أكثر؟ بكل سرور، إلا أنه لا يمكن أن تكون يهوديًّا ما لم تكن أمك يهودية. كيف؟ نحن شعب مختار، مختار من قبل الرب في أعراقه وعقائده. أنتم لا تبشرون ولا تدْعون لدينكم إذن؟ أبدًا، وإنما ندعوا غيرنا ليخدم هذا الشعب المختار. أي يكون خادمًا عندكم فقط!! لا خدمة دون مقابل. مقابل توقيعكم على عقد الحماية، تعطوننا المبلغ المتفق عليه، هذه ليست خدمة! هذا بيع وشراء. ولو لم يكن مدير الشركة لديكم يهوديًّا لما وقع اختيار شركتكم لتقدم لنا الحماية. لكن كاخ علماني! يظلّ يهوديًّا من الشعب المختار.. يبدو أنك متديّن!
ماء وقهوة.. ما رأيكِ أن نبدأ الموضوع من بدايته؟ تفضل، تبدو مهتمًا بالديانة الأم لكل الديانات السماوية. هل تعنين بأم الديانات السماوية أن اليهودية وموسى عليه السلام مما يؤمن به اليهود والمسيحيون والمسلمون. نعم، وكل من بعده اختلف فيه، فاليهود لا يؤمنون بعيسى والنصارى لا يؤمنون بمحمد. ومن الممكن القول أن المسلمين يؤمنون بالجميع، واليهود لا يؤمنون بأحد عدا نبيهم.. دعيني من ذلك، أريد أن أتعرف منك على أقدم الأديان السماوية الموجودة بوضوح، فهل من الممكن أن تساعديني؟ تبدو عالم أديان لا عالم برمجيات! تفضل.
ما عقيدة اليهود في الرب؟ بماذا يصفونه وبماذا يعرفونه؟ لم أفهم ما تريد؟ لكن الرب هو الخالق الرازق. لقد قرأت أشياءً كثيرة عن صفات الإله عندكم أثارت إشكالات لدي؛ فمما قرأت في العهد القديم: “وكان كلام الرب إلى صموئيل قائلا: ندمت على أني قد جعلت شاول ملكًا”، وقرأت في سفر الخروج: «فسمع أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع آدم وإسحاق ويعقوب»، وقرأت في سفر العدد قول الله: “فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم، بل اقتل كل رجل وامرأة وطفل ورضيع والبقر والغنم والجمال والحمير”، وغير ذلك كثير فأنا أتساءل: هل الرب يندم وينسى ويتذكر ويأمر بالقتل وعدم العفو؟ أي إله هذا؟! تبدو قارئًا جيدًا، لكنك قارئ انتقائي، ما ذكرته صحيح وغيره كثير، لكن هل هو خاص باليهودية؟ لديكم أنتم أضعافه. هههه، صدقت فلدينا مثله كثير لكن لأني أفكر أن أتحول إلى اليهودية، ما رأيك أن نكمل الحديث عن عقائد اليهودية مستقبلًا، كنت أود أن ننهي اليوم وغدًا موضوع الاتفاق؛ فبعد غد السبت وأنتم لا تعملون فيه. صحيح؛ فيوم السبت يوم الراحة والعبادة، بل جاء في الوصايا العشر الأمر بحفظه، وهو اليوم الذي فرغ فيه الرب من صنع السماوات والأرض فاستراح يوم السبت. استراح؟! نعم استراح، يبدو أن لديك حساسية من بعض الألفاظ في حق الرب، هذه مشكلتك. ربما، المهم أن ننهي نقاشنا حول العقد خلال اليومين، وأنا بدأت أشعر بالتعب اليوم فأنا واصل من المطار إلى الشركة. يمكنك أن تذهب وترتاح الآن، ونكمل مساءً لو أردت. هل يضايقك أن نكمل في الفندق بعد الساعة الرابعة والنصف؟ أبدًا.. سآتيك في الفندق الساعة الرابعة والنصف. نتغدى معًا إذن، وربما تكونين أكثر هدوءًا، وأقل حدة في التعامل معي. لم أفهم ما تعني؟! أنت الهجومي اليوم، وأعتذر إن كنت أخطأت معك. أنا الذي أعتذر إن كنت هجوميًّا، فمن في جمالك لا ينبغي أن يهاجَم أو يضايَق. هذا من لطفك، لكن هجومك السابق أحب إلي من غزلك الآن.. ثم ابتسمت وقالت: أنا أعيش حياتي من أجل الرب فقط. قبل أن أنصرف أود أن أسلم على بنيامين. تفضل.
كانت النقاشات جيده ومتشعبة. هل أستأذنكم لأعود لعملي؟ تفضلي يا ليفي، ولكن جورج ضيفنا ولا بد من إكرامه. حسنًا، إلى اللقاء. اتفقنا على أن أذهب للفندق لأرتاح قليلًا، وستأتي ليفي للفندق لإكمال النقاش.. عرفت لماذا نحن بحاجة إلى يومين على الأقل للتوقيع على العقد، فهي تحب النقاش والتفرع فيه. فكرة إكمال النقاش في الفندق فكرة جيدة، فهي تزيل شيئًا من الرسمية. نعم، لكن ليفي تبدو صعبة! على صعوبتها هي طيبة وجميلة، وسأخبرها أن تغير من عنادها وتزمتها قبل قدومها عليك اليوم. لا بأس، استأذنك فأنا متعب قليلًا. تفضل سيوصلك السائق للفندق.
تبدين أجمل مما كنت في الصباح! شكرًا لذوقك. تفضلي، لنذهب إلى المطعم، ونكمل حديثنا ونحن نتغدى. اختارا طاولة منعزلة في الفندق، وجلسا متقابلين.. دعا جورج النادل، وطلبا ما يريدان.. ما رأيك ألا نتحدث فترة الأكل عن العمل؟ كما تريد. أنت جميلة جدًّا، هل أنت متزوجة؟ لا، ليس بعد، كنت أظنك تختلف عن كاخ. كيف؟ أنت تهتم بالدين والتوراة والإنجيل، بينما كاخ لا يهتم إلا بالمال والنساء. صحيح، لكن ما الذي نشبه بعض فيه؟ كنت أظن أنك لا تحب المال كثيرا، ولا يشغلك الجمال.. من لا يهتم ولا يحب المال والجمال؟! لكني لم أفهم ماذا تعنين! كلمني بنيامين بعد خروجك عن المقصد من كون الاجتماع في الفندق. ماذا تعنين؟ أنت تريد مثل كاخ المتعة.. والمتعة فقط. وضحي أكثر! لا تتغابى كثيرًا، أنا جاهزة.
وأنا جاهز أيضًا لنكمل نقاشنا، ولكن بعد أن أنهي غدائي. جيد، لكن هل تريده نقاشًا ساخنًا؟ كما تحبين. لا أحب أن أرد أمرًا لبنيامين، ولذلك كما تحب أنت. وما علاقة بنيامين بنقاشنا؟! دعني أقول.. أنتم الرجال كلكم لا يهمكم إلا الجنس. يبدو أني أتحدث عن شيء، وتتحدثين عن شيء آخر!
أرشح أن نجلس في حديقة الفندق إن رأيت ذلك مناسبًا؟ في الحديقة!! كما تريد!! يبدو أن المكان مريحٌ، ويصلح للصراحة. نعم، هو مريح، لكنه مكشوف أمام الناس، ماذا تريد؟ أريد أن نتناقش. هل تتلاعب بي؟ لقد أخبرتك أن بنيامين كلمني وأني جاهزة. وأنا جاهز لنبدأ النقاش، ثم أردف: هناك سوء فهم من بنيامين: أنا لست كاخ. ما فهمته من بنيامين أنكم واحد؛ ولهذا تجهزت لك كما ترى. ألم تقولي لي بأنك لا تحبين الغزل، وأن حياتك للرب فقط! أنا.. أنا وافقت خدمة للرب. خدمة للرب!! كيف؟ أهم عبادة للرب: أن نخدم دولة إسرائيل، ونخدم شعب الله المختار. وأنت ـ آسف ـ رخيصة؟ أليس لك أي قدر لتكوني حرة في نفسك على الأقل!
بما أنك بدأت في الهجوم سأتحدث بصراحة: المرأة في اليهودية لها وضع خاص، ولا تعامل كالرجل.. لا أحب أن أتحدث في ذلك، فهل من الممكن أن تغير الموضوع؟ لم أفهم؟! ولا أود أن نتحدث وأنتي مكرهه، لكن ألم تقولي لي سابقًا أنك تحبين النقاش! أنا أحب النقاش لكني أخشى أن تفهم خطأ.. آمل أن تفهمني بشكل صحيح. تفضلي. الجنس والمرأة في اليهودية يحتاجان إلى تفصيل، فمثلًا الأصل لدينا أن الجنس السوي الطبيعي هو الذي يكون بغرض الإنجاب فقط وبين الرجل وزوجته، لكن ـ وللأسف ـ المرأة مهضومة تعامل كالصبي أو المجنون أو الحيوانات، وهي للمتعة فقط، فقد ورد في التلمود: “إن المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط”.. ثم التفتت بغضب، وقالت: هل هذا ما تريد؟! أتريد فقط أن تقضي ما لديك في هذه الحقيبة؟! أعتذر عن إزعاجك، وأرى أن هذا غاية التمييز والظلم، وأود أن نكمل بأريحية، وما الذي يُلزمكِ أن تكوني كذلك؟ بنيامين! وطاعته! لم أفهم! ما علاقة ما سبق بطاعتك المطلقة لبنيامين. بنيامين زوج أمي. أبوكِ! لا لا، توفي أبي في تفجير إرهابي من مسلم إرهابي تافه.. فورث عمي أمي، فقد ورد في التوراة “فرض زواج المرأة الأرملة من أخو زوجها”. ورثها عمك! هل هي سلعة لتورث؟! نعم، للأسف تجبر على الزواج من أخو زوجها. عذرًا ليس تكذيبًا لك، لكني لا أصدق ما تقولين! وأظنك تبالغين في القدح في التوراة رغم أنك تدعين أنك يهودية متدينة! آه، ربما أكون زدت في الفضفضة! ولا أحب الحديث في ذلك، لكنك أنت الذي تريد! ثم تنهدت ونظرت إلى الأسفل: مع إني حريصة ألا أقول شيئًا حتى الآن. هل هناك أشد مما قلت؟!
بما إنك أنت الذي طلبت، للأسف نعم! شهادة مائة امرأة تعادل شهادة رجل واحد! المرأة كائن شيطاني، وأدنى من الرجال!.. وقد جاء في التوراة: “يجب على الرجل ألا يمر بين امرأتين، أو كلبين أو خنزيرين، كما لا يجب أن يسمح رجلان لامرأة أو كلب أو خنزير بالمرور بينهما”، فأنا أدعو تدينا كل صباح بانكسار: مبارك أنت يا رب الذي خلقتني بحسب مشيئتك، أما الرجل فيقول: “مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنًا ولا امرأة، ولا جاهلًا”.
أعتذر لكِ.. هل من الممكن أن نغير الموضوع؛ فقد تعبتِ كثيرًا، وأعتذر لكِ عن إزعاجكِ. قلت لك ذلك من البداية. لكن هذه الأمور كلها قطعًا ليست للمرأة اليهوديّة؟
أبدًا.. هذا لليهودية، أما غير اليهودية فلها شأن آخر!! آمل ألا تغضب ولا تتضايق؛ فالمرأة في التلمود ـ وهو الكتاب الثاني من كتب اليهود بعد التوراة يقول: إن المرأة من غير بني إسرائيل ليست إلا بهيمة؛ لذلك فالزنا بها لا يعتبر جريمة؛ لأنها من نسل الحيوانات. أي تعصب هذا! لكني أكرر أنني لست مقتنعًا بما تقولين، فأنا قرأت عن اليهودية، وقرأت أجزاء من التوراة، ومع ذلك أشعر بأنك ربما تأولين التوراة كما تريدين. لا أعرف لماذا بدأت أنفس عن نفسي وأفضفض! لكن للتوضيح: نحن لا نقرأ التوراة كما تقرأون الإنجيل. كيف؟ التوراة هي الوحي الإلهي، بينما التلمود هو شروح التوراة، ولا يصح أن نفهم التوراة منفصلًا عن التلمود، لكني لم أحب أن أزعجك بذلك. ومن كتب التلمود؟ كُتب بأقلام كثيرة جدًّا في أكثر من ألف عام، لماذا هذه الأسئلة؟ لأني تضايقت جدًّا وتعاطفت مع وضع المرأة، وعذرًا لم أقتنع بما قلتيه عن المرأة. غالبية ما نقلت لك من التوراة، هل تريد من التلمود؟! مجموع كتب التلمود أربعة وستون كتابًا، فهل تود أن تسمع شيئًا مما فيها؟ إن كان لا يضايقك ذلك، تفضلي. إذن اسمع العجائب.. في أحد كتب التلمود: إذا قفز كلب بلدي على فتاة في أثناء تنظيفها الأرض ودخل عضوه فيها وجامعها فإنها لا تعتبر غير نظيفة، ويسمح لها بالزواج من حاخام حتى رفيع المستوى! ويحدد التلمود سن الفتاة القابلة لممارسة الجنس بثلاث سنوات ويوم واحد!! ويجد أن الفتاة بهذا السن تصلح لكي تكون زوجة حاخام، أما سن الولد الذي يؤهله للجماع فيحدده كتبة التلمود بتسع سنين ويوم واحد، وقال بعض الحاخامات ثمان سنين ويوم واحد، وفي مكان آخر يقول التلمود: إذا قام رجل بالاتصال الجنسي مع فتاة أصغر من ثلاث سنين ويوم واحد لا يعتبر ذلك فعل جنسي!! لأن الرجل كأنه وضع أصبعه في عين الفتاة!! وإذا قام صبي عمره أقل من تسع سنوات ويوم واحد بالعملية الجنسية مع امرأة بالغة فلا يعتبر ذلك زنا!! لأنه كأنما جرحها بعود من الخشب!! كما لا يعتبر التلمود العملية الجنسية مع الحيوانات زنا ولا يعاقب فاعلها! والمرأة التي تجامع حيوانا لا تعتبر زانية ولا تعاقب بل يعاقب الحيوان! كذلك لا تعتبر العملية الجنسية بقضيب مرخي زنا ولا يعاقب عليه! عذرًا يكفي؛ فقد تقززت من هذا الحديث، لكن لي سؤال وعذرًا مرة أخرى على الصراحة: أنت متدينة أم ناقمة على الدين اليهودي؟! أكرر اعتذاري لكن لا أظن أن كل اليهود هكذا! نعم.. ليس كل اليهود كما أقول؛ فهناك العلمانيون كصاحبك كاخ لا يهمهم لا التوراة ولا التلمود، وهناك فصائل كثيرة مختلفة لكن للأسف نحن من عائلة متدينة جدًّا وأنا متدينة، ولذا لا أعرف لماذا قلت لك ما سبق! ربما كنت أفضفض عن نفسي، وربما أكون مخطئة، وربما كنت أريد أن أدافع عن نفسي كوني ضعيفة جئت أعرض نفسي عليك، وقد شعرت بالإهانة. لم أقصد إهانتك وليس هذا من طبعي، لكن ماذا يريد بنيامين من إرسالك لي؟ لا أعرف بالضبط، كل الذي فهمته منه أن له مبلغًا لم تعطه إياه، وأنه فهم منك أنك لن تعطيه المبلغ حتى أمتعك بجسدي. جسدك جميل ورائع، وكم أتمنى أن أستمتع به، لكن.. أنا متزوج وتهمني مبادئي، وربما أكون متشددًا أكثر مما يجب، وعذرًا لقد فهمني بنيامين خطأ، فأنا لم أقل له ذلك، ولا يليق بي أن أقول ذلك. للأسف أنا سلعة.. ودمعت عيناها ولم تتمالك نفسها وبكت: ربما فهمك بسبب كاخ. اهدئي أرجوك.. ما علاقة كاخ بما حدث؟ كلما جاء كاخ كلم بنيامين وبت لديه ليلة أو ليلتان، فكاخ يهودي؛ ولذلك له العقود والمال والنساء، فلابد أن يعامل مندوب كاخ كما يعامل كاخ، كم أشعر بالمهانة!
امسحي دموعك يا ليفي.. أنا آسف، لن أعود إلى هذا الحديث مرة أخرى، ما رأيك في كوب من القهوة؟ لا تعتذر.. فأنت لم تخطئ. مضيا إلى المقهى الخاص بالفندق، وقد عزم جورج على تغيير موضوع الحديث والتعالي عن رغبته الجسدية.. ما تخوفاتك من توقيع عقد الحماية مع شركتنا؟ ليس لدي أي تخوفات. طُلِب مني أن آتي من بريطانيا من أجل إجابة أسألتك. هههه، الحقيقة أنه من أجل أن تأتي بمبلغ بنيامين، إن كان المبلغ معك وسلمته لبنيامين فاعتبر العقد موقعًا. بالفعل هو معي هل أسلمك إياه أم أسلمه بنيامين؟ سلمه بنيامين.. ثم ابتسمت بحزن: حتى أنت تعمل لخدمة بنيامين وكاخ ولو تعارض مع مبادئك! للأسف ما تقولينه صحيح، المفروض أن ننافس بمنتجنا لا بالرشوة.. إذن ليست اليهودية بأسوأ من المسيحية! ربما، وبما أنك صريحة معي لهذه الدرجة دعيني أقول لك الحقيقة. أي حقيقة؟! أنا في رحلة للبحث عن السعادة بعد قلق وهم أصابني لعدم استطاعتي الإجابة على أسئلتي الكبرى، وبدأت أبحث في الأديان، وبحثي الآن في اليهودية، وسيعقبه المسيحية، ثم الإسلام. السعادة كلمة رائعة، لكن يبدو أنها خاصة بالرجال في اليهودية، كم أتمنى لو كنت رجلًا! ألم تتديني لتنالي السعادة؟ بلى، لكن ربما سعادة الآخرة فقط. ولماذا لم تغيري دينك؟ اليهودية أفضل من النصرانية والإسلام، فهي الدين الأعرق، وشعبها هو الشعب المختار، وكل ما قلته ربما كان فضفضة لشعوري بالإهانة، عذرًا ألا تشعر بالإهانة عندما تدفع رشوة وتخالف مبادئك؟! بلى، كثيرًا ما تحولنا الحياة إلى أدوات يلعب بها الناس، هههه، لكن ألا ترين أن اللاعبين كلهم يهود؟! هههه، طبيعي فنحن شعب مصطفى ومختار.. وتريدني أن أترك اليهودية! بما أن جمالك أشرق مرة أخرى، وبما أن العقد والاتفاقية وتساؤلاته انتهينا منهم، هل تتضايقين لو تناقشنا في اليهودية أكثر؟ ولن ندخل في موضوع المرأة، فأنا أود أن أتعرف أكثر على دينكم العريق.
أنا بخير، وليفي بخير، ولا زلنا نتناقش في أعمالنا. هههه، أما انتهيتم؟ ليس بعد.. ربما ننتهي اليوم. بإمكانكم أن تكملوا اليوم وغدًا في الفندق إن أردت، فنحن في خدمتكم. حسنًا، ولكني أود أن أقابلك غدًا إن كان ممكنًا، فلدي شيك لكم وحتى نوقع العقود. متى ما انتهيت من ليفي أنا في خدمتك. شكرًا سأتصل عليك لترتيب الموعد. أنتظر اتصالكم، وأقترح أن تأخذك ليفي في جولة إلى المدينة المقدسة غدًا إن أردت. سأتفق معها على هذا.. أترككما يبارككما الرب.
بنيامين يريد أن يطمئن على الشيك. ويطمئن أني نفذت كل المطلوب مني. اقترح علي اقتراحًا جيدًا. لا أظنه يأتي باقتراح جيد، ماذا اقترح؟ أن نخرج غدًا في جولة إلى المناطق المقدسة. جميل.. ولكنه غريب، أحيانا يأتي اقتراح جيّد من شخص لا يُتوقع منه ذلك. الساعة الآن السادسة، إن أردتِ أكملنا نقاشنا عن اليهودية، وغدًا أنتظرك صباحًا لنأخذ جولة إلى المناطق المقدسة اليهودية؟ جيد، نكمل نقاشنا وأقترح أن تكون زيارتنا للمناطق المقدسة بعد غد أي يوم السبت، ثم ابتسمت بخجل: نذهب لرؤية الأماكن المقدسة، وإن كنت تريد شيئا آخر فاليوم أو غدًا. شيئًا آخر.. فهمت، أنت فاتنة في الجمال، لكني قلت لك أني متزوج ومبادئي تمنعني. بصراحة أكثر المتزوجون المسيحيون المتدينون هم الذين لا يمانعون في مثل هذه الأمور. نعم.. للأسف صدقتِ، لكني أرى ذلك لا يليق بي فهو خيانة لزوجتي، فكما لا أرضاه منها لا أرضاه لها. دون مجاملة أنت رجل رائع، وأنا ممتنة لك كثيرًا.
شكرًا لك، ولا أظن أن هناك ما يستدعي هذا الشكر، المهم أني أرى أنه من المناسب أن تكون زيارتنا كما قلت يوم السبت. جيد، نكمل نقاشنا.
أود أن أتعرف أكثر على التوراة والتلمود. كما قلت لك نحن نقول إن التوراة من عند الله، بينما التلمود فهو شروحات وتوضيحات وقوانين للتوراة تم تناقلها شفويًّا ثم كتبت بعد ذلك. أي أن التلمود كلام بشر! نعم، إلا أنه لا يمكن فهم التوراة إلا من خلالها، فلسنا مثل المسيحيين كما قلت لك سابقًا. ولماذا لا ترجعون مباشرة لكلام الله في التوراة؟ وعدتك أن أكون صادقة معك، حتى التوراة فيها الكثير من الإشكالات، ولعلك رأيت كلامها عن المرأة. كيف يكون كلام الله فيه إشكالات؟ لم أفهم! للأسف نحن نقول إنه من عند الله، ولكن توجد أدلة على أنه قد وقع فيه تحريف. أدلة على التحريف؟! أين النسخة الأصلية؟ أصول التوراة مفقودة، ولكن يوجد ثلاث نسخ مختلفة، وبعضها فيها جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي:النسخة اليونانية؛ وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف، وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق، والنسخة العبرانية؛ وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار، وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر، وأن النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك، كما يضاف لذلك أن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا، ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر؛ فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية، وأخيرًا النسخة السامرية؛ والسامرة هي فرقة يهودية تسكن جبال نابلس، وهذه النسخة لا تحوي سوى سبعة كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة، وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وإن كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية. تأريخ عجيب جدًّا وتناقض مثير، ولكن ما مظاهر هذا التحريف.. غير موضوع المرأة والجنس؟ كثير!! منها ما تحدثنا به صباحًا عن وصف الله بما لا يليق، ومنها نسبة الفواحش والنقص للأنبياء، ومنها.. أعتذر على مقاطعتك، الفواحش والنقص للأنبياء؟! هههه، أتدري!! لأول مرة في حياتي أتحدث هكذا، وحقيقة أنا مستغربة من نفسي جدًّا، لكني أشعر بسعادة لأني أقوم بذلك، فهل هذا نوع من التنفيس أم وسوسة من الشيطان؟! لا أدري لكني سعيدة بفعل ذلك، دعني أعطيك أمثلة: في التوراة وُصِف نبي الله نوح عليه السلام بأنه يشرب الخمر ويتعرى؛ فقد جاء فيها: “وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا وشرب من الخمر وتعرى داخل خبائه”، وجاء عن لوط عليه السلام: “أنه سكن وابنتاه في غار، فقالت ابنته الكبرى للصغرى: قد شاخ أبونا، وليس على الأرض رجل يدخل علينا، فلنسقي أبانا الخمر، ونضطجع معه في مضجعه، ففعلتا، وحملتا منه بولدين موآب وعمون” وغير ذلك كثير أظن هذين المثالين كافيين. أعتذر لكِ ليفي، لكن لماذا تعودين للقضايا الجنسية كلما خرجنا منها؟ لأني عاهدت نفسي أن أكون صادقة معك، وأنت الذي سألتني. أود أن ننتقل إلى موضوع آخر.
هههه، تفضل وأتمنى ألا تتحول بأسئلتك للجنس والمرأة.
قلت لي إنك من النمسا. هههه، لا قلت لك إني من إسرائيل.
نعم، أقصد أن والديك من النمسا، واسمحي لي فحسب الإحصاءات البريطانية كانت نسبة اليهود عام 1945م 38%، ونسبة المسلمين كانت 58%، والمسيحيون 8%، وأن هذه النسبة المرتفعة لليهود بسبب هجرة 50000 - 60000 خلال الفترة من 1920-1945م، فكيف تعتبرون أن المسلمين والمسيحيين إرهابيون وأنتم القادمون عليهم والمحتلون لأرضهم؟! عذرًا.. أنتم البريطانيون المحتلون، وأنتم الذين أعطيتمونا أرضنا وأعدتم لنا حقنا. ولماذا أعادت بريطانيا لكم حقكم كما تقولين، هل هي خدمات مجانية لكم فقط؟! الذي يهمني أنها أرضنا وأعيدت لنا، أما لماذا خدمتنا بريطانيا، فهو سؤال لك وليس لي.. وإن كانت بريطانيا وأوربا قد خدمتنا فقد قتلتنا كثيرًا ألا تعرف ذلك؟ تقصدين الهولوكست؟! نحن شعب اضطهد كثيرًا على مدى التاريخ، وما الهولكست إلا الحلقة القريبة من الاضطهاد غير الأخلاقي لنا. بالأمس ليلة مجيئي إلى هنا كانت زوجتي الكاثوليكية تحدثني عن الاضطهاد اليهودي للمسيحيين، كل شعوب الدنيا تشعر بالاضطهاد! صدقت.. حتى البرابرة الإرهابيون المسلمون الذين قتلوا أبي يقولون أنهم مضطهدون، لكن التاريخ والوقائع تعطيك الحقيقة. أنت قلت أنك تحبين النقاش ولا تتضايقين من الصراحة فيه، ألا ترين أن المسلمين مضطهدون، اُحتلوا وطُردوا من بلادهم وقُتلوا وشُردوا!
الإرهابيون يستحقون هذا وأكثر، ثم من فعل هذا! هو أنتم قبلنا فلا تنتقدونا. لقد تحولت إلى هجومية، نعم نحن فعلناه قبلكم ولكم، لكن ألا ترين أنهم مضطهدون؟ قلت لك يستحقون ذلك وأكثر؛ فهم برابرة متخلفون وحشيون إرهابيون... ولكن ألا ترين أن المسيحيين في فلسطين أيضًا مضطهدون وليس المسلمون فقط! تعني إسرائيل وليس فلسطين. نعم ألا ترين أن المسيحيين في إسرائيل مضطهدون من اليهود! لا تغضب، المسيحيون بإمكانهم أن يذهبوا إلى أي مكان في أوربا أو أمريكا إن لم يعجبهم تعاملنا!! هههه، كلامك القاسي الحاسم هذا يتناقض مع جمالك، لا أتصور أن هذه الرقيقة الجميلة تقول مثل هذا الكلام القاسي! من ليس مستعدًا أن يخدمنا فليس له عندنا إلا القتل! هذه هي تعاليم الكتاب المقدس. أهكذا تعاليم الكتاب المقدس؟!! نعم، فلدينا في التوراة: “قال الرّبُّ إله إسرائيل: على كل واحدٍ منكم أنْ يحملَ سيفه ويطوف المَحلَّةِ منْ بابٍ إلى بابٍ ويقتلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ”، ولدينا أيضا: “وكلَّم الآخرينَ فسمِعتُهُ يقولُ: اذهبوا في المدينة وراءهُ واَضربوا. لا تُشفِقوا ولا تَعفوا. اقتلوا الشُّيوخ والشُّبَّانَ والشَّاباتِ والأطفالَ والنِّساءَ حتى الفناءِ”، ولدينا: “فَالآنَ اذهب واضرب عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا”، تكفيك هذه النصوص أم أزيدك؟ أعتذر.. يبدو أنني أغضبتك، اهدئي قليلًا.. هذا إرهاب لا يطاق! أنا هادئة، وقد قلت لك كلام الله كما في التوراة لا كلامي!
ماذا تريدين لتهدئي أكثر؟ عصير ليمون لو سمحت.
مات أبي، وأصبحت لعبة عند بنيامين كل ذلك بسبب اضطهادنا طوال التاريخ، ثم تريدني أن أصدق أن هؤلاء الإرهابيين مضطهدون؟! تفضلي.. اشربي الليمون ودعينا من هذا الموضوع ما دام يضايقك.. لا يضايقني، ويمكنك أن تكمل، وأنا هادئة جدًّا الآن. بصراحة هل أنت مقتنعة بنصوص التوراة التي ذكرتيها؟ بصراحة.. بصراحة لا. لماذا؟ ألم أقل لك إن التوراة مليئة بالتحريف، هذه القسوة لا يمكن أن تكون من عند الرب الرحيم! صدقت.. فالرب رحيم بعباده. وحتى أعيدك للجنس والمرأة اسمع هذا النص من التوراة: “فالآنَ اَقْتُلوا كُلَ ذَكَرٍ مِنَ الأطفالِ وكُلَ اَمرأةٍ ضاجعَت رَجلًا، وأمَّا الإناثُ مِنَ الأطفالِ والنِّساءِ اللَّواتي لم يُضاجعْنَ رَجلًا فاَسْتَبقوهُنَّ لكُم “، ثم ابتسمت مرة أخرى، وقالت: وخذ هذا النص أيضًا: “فَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: انْطَلِقُوا إِلَى الْكُرُومِ وَاكْمِنُوا فِيهَا. وَانْتَظِرُوا حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ فَانْدَفِعُوا أَنْتُمْ نَحْوَهُنَّ، وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَةً وَاهْرُبُوا بِهِنَّ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ”، ثم ضحكت بسخرية وقالت: عدنا للجنس والنساء إلا إنه الآن في سياق القتل والخطف! فهل تود أن نترك الموضوع أيضًا؟ عجيب! لا أكاد أصدق ما أسمع! نعم لنتجاوز هذا الموضوع أيضًا، ولكن إن سمحت من هم بنات شيلوه؟ من هو شيلوه؟ شيلوه هو المسيح أو المسيا على أحد التفاسير عندنا، المهم أنهن النساء غير اليهوديات كنسائكم ونساء المسلمين، وأعتذر لك لكنك استفززتني؛ ففقدت أعصابي. لا بأس، أظن الوقت متأخرا الآن وأنا أدعوك للعشاء الآن حتى تهدئي قليلًا. أووه.. لم أنتبه للوقت الساعة الآن التاسعة مساءً، إن كان هذا أمر منك فأنا موافقة، وإلا فأنا أود أن أنصرف إن سمحت لي. لا أحب الكلام بهذه الطريقة، أنا لم آت لآمرك، وقد قلت لك أني ارتحت لصراحتك، واستفيد منك كثيرًا في طريقي للسعادة، وأنا أحب أن أجلس معك عندما تكوني ترغبين أنت في ذلك. شكرًا لك على لطفك، أراك غدًا إذن. اتفقنا أن يكون لقائنا بعد غد يوم السبت! زيارتنا للأماكن اليهودية المقدسة بعد غد، ولكن يمكن أن نكمل نقاشنا غدا إن أردت؟ سألتقي بك غدًا عندما آتي لمقابلة بنيامين صباحًا، لكني أود أن أزور كنيسة القيامة وكنيسة مريم إن تمكنت. كنيسة القيامة كنيسة ليست بروتستانتية وأنت تقول أنك بروتستانتيا.. ثم قالت بدلال أخاذ: هل تخدعني؟ ولماذا أخدعك؟ سأزورها لأني وعدت زوجتي الكاثوليكية بأن أزورها. أنت تحب زوجتك كثيرًا، سأرسل لك الساعة الثامنة صباحًا السائق ليحضرك للمكتب لمقابلة بنيامين، وحاول أن تخرج مبكرًا لتتمكن من رؤية الكنيستين فغدًا جمعة.
وماذا يعني أنه جمعة؟ يعني حواجز وتفتيش في كل الطرق، للتأكد من عدم قيام إرهابيين بالتفجير وهم ذاهبون لصلاة الجمعة. سأكون في الثامنة جاهزا لأتحرك للمكتب.. ثم قام وصافح ليفي وهو ينظر في عينيها، وقال: أنا ممتن لك وأعتذر عن إزعاجك. أنا الممتنة لكرمك ولطفك وصراحتك ووفائك لزوجتك ولمبادئك. أنتِ رائعة! كم أتمنى أن أسير معك في طريق السعادة الذي تسير فيه، لكن ظروفي لا تساعدني. ومن يدري؟ ربما.. ألقاك صباحًا أيتها الجميلة.
لم أكن أود أن أتعبك. أنت تستحق..كما أن نقاشاتك تعجبني جدًّا. شكرًا لك على مجاملتك وخلقك وأدبك، هل بنيامين في المكتب الآن؟ هو ينتظرك في المكتب فقد أخبرته بأنك ستأتيه. شكرًا لكِ، فقد نسيت أن أتصل عليه.
بعد خروجي من عندك وقبل وصولي البيت كان بنيامين يتصل علي ليتأكد أني بت عندك، ولم يصدق أنك لست ككاخ وأنك لا تريدني، فأخبرته بأنك ستأتيه صباحًا وبإمكانه أن يتأكد بنفسه.
ومن قال أني لا أريدك؟!
ماذا تعني؟ هل تغير شيء بعد انصرافي؟ هههه، أريدك بثقافتك وعلمك وذكائك وروحك وأخلاقك وأدبك، أما جسدك فهو كجوهرة أتمنى تأملها، وكزهرة أرغب في شمها، لكن من العار أن نرى المرأة جسدًا فقط، ولا أحب أن أفقدك أو أفقد مبادئي. مسحت بيدها اليسرى على جبهتها وهي ترفع خصلة من شعرها بحركة مضطربة كاضطراب روحها. آه.. لا أدري لماذا خفت كثيرًا؟ وهل أخبرتيه بأننا أخذنا بفكرته، وسنذهب لزيارة الأماكن المقدسة؟ لا، أخبره أنت. حقيقة لا أرتاح لبنيامين، وأشعر بالإهانة أنني أتنازل عن مبادئي وأعطيه الرشوة، لكني لم أفكر في الموضوع قبل قدومي وإلا لرفضت، عمومًا يجب أن ننهي الموضوع الآن وبعد عودتي لكل حادث حديث. جيد، لأنك لو لم تعطه المبلغ لفهم بنيامين أني لم أقم بعملي بشكل جيد. حياة تافهة التي يتنازل فيها المرء عن مبادئه من أجل المال أو الجنس أو المنصب! قد أكون متناقضة، ولكن لولا تنازل الناس عن مبادئهم من أجل المال والجنس والمنصب لما قامت إسرائيل، ولما استمرت وبقيت أيضًا. كم أشعر بتفاهة الحياة وتفاهتي الشخصية وأنا أتجه لدفع الرشوة، ولا أعرف كيف لم أفكر في الموضوع لما أخبرني كاخ! على كل الأحوال هذه هي الشركة وقد وصلنا، وستجد العقود جاهزة للتوقيع عند بنيامين. أتمنى أن ننتهي سريعًا، وأحتاج بعد انتهائي لسائق يأخذني في جولة إلى الكنائس. أعتذر.. لا أستطيع أن آخذك للكنائس بنفسي، وستجد السائق في انتظارك.
كيف كان يومكما بالأمس؟ وكيف كانت ليلتكما؟ كان يومًا حافلًا أنهيت فيه مع ليفي كثيرًا من الأعمال. نعم.. أخبرتني ليفي بأنك جاهز لتوقيع العقود، وأنك أجبت على كل تخوفاتها التقنية، ثم التفت إلى ليفي قائلًا: بإمكانك أن تنهي أعمالك الآن حتى أنهي مع جورج توقيع العقود. سأنصرف؛ فلدي بعض الأعمال.. ثم التفتت لجورج: وبمجرد انتهائك ستجد السائق في انتظارك. ولماذا السائق؟ يإمكانك أن تأخذ ليفي؟ ألم تناسبك؟ ألم تعجبك؟ اتفقنا أن ننفذ اقتراحكم في الجولة على الأماكن المقدسة غدًا معًا، أما اليوم فسأذهب في جولة على الكنائس المقدسة. وكيف كانت معك ليفي بالأمس؟ رائعة جدًّا. استغربت لما اتصلت عليها الساعة التاسعة والنصف فأخبرتني أنها قريبة من البيت، كان بإمكانك أن تأخذ وقتك معها بشكل أكبر بما أنها رائعة. انتهينا من نقاشاتنا الساعة التاسعة فانصرفت، وكنت قد أخبرتك في الهاتف أني أريد مقابلتك لتوقيع العقود وإنهاء الموضوع.. هذا هو الشيك مقدم لك من كاخ. شكرًا لك ولكاخ، وهذه العقود جاهزة للتوقيع. انتهينا؟ انتهينا من العقود، ولكن بقي لك ثلاثة أيام عندنا، أنا وليفي في خدمتك. شكرًا لكرمك. حتى لو أردت ليفي بعد انتهاء جولتكما غدًا أن تأتي عندك في الفندق لتسهران معًا فهي مستعدة. أعتقد أني سأكون متعبًا بعد الجولة، وسأحتاج أن أستريح وأنام مبكرًا، ولن أتمكن من السهر!! هههه، جرب أن تريحك ليفي.. عندما كان يأتي كاخ لتوقيع العقود لم يكن ليرتاح أبدًا حتى تريحه ليفي. لقد وقَّعنا العقود وانتهينا، فهل يمكن أن أتناقش معك في موضوع آخر ليس له أي علاقة بالعقود؟ لم أفهم ما تريد؟ تفضل.. سأقول بصراحة ودون إحراج: لماذا تأخذ مبلغًا لكي توقع على العقود؟ أليست هذه رشوة مالية؟ هههه، إن كنت تحب الصراحة؛ فلماذا تستمتع أنت وكاخ بليفي لكي توقعوا على العقود؟! أليست هذه رشوة جنسية؟! بلى هي رشوة جنسية، وهذا أحد أسباب امتناعي عنها. لم يكن كاخ يمتنع عن ذلك، بل كان يطلبه بوضوح وصراحة، أما أنت فطلبته بالأمس تلميحًا، وإن كان كما قلت بأنك لم تستمتع بليفي فهذه مشكلتك أنت، ثم إن كانت رشوة كما تقول فلماذا دفعتها لي؟! يبدو كلامك صحيحًا ومنطقيًا، لماذا أدفعها إن كانت رشوة.. عمومًا هل يجلب لك المال والجنس السعادة؟ بلا شك أن سعادة الدنيا في الاستمتاع بالجنس والمال والسلطة.. ثم تنهد وقال: حتى لو كانت هذه المتع نفسها جالبة للشقاء لنا. لم أفهم كيف تكون متع الحياة وجالبة للشقاء؟!
هذه تناقضات الحياة يا صديقي، الجنس والمال والسلطة أمتع ما في الحياة الحسية، لكنها تظلم وتشقي أحيانًا أرواحنا، بالضبط مثل أعيادنا الحزينة البعيدة عن الفرح والسرور، ألا يفترض أن يكون العيد أسعد أيامنا؟ سأجيب نعم، لكن أعيادنا أيام حزينة عندنا. كيف؟ ليفي يمكنها أن تجيبك أفضل مني.. هههه، وهي أجمل كذلك، فيمكنك أن تكمل النقاش معها، وفي المكان والوضع الذي يريحك. إذن شكرًا لك.
ماذا دار بينكما؟ أشعر بالمهانة، أعطيته الرشوة، ووقعنا العقد. وهل تكلمت معه عن الرشوة أو عني؟ نعم، تكلمنا عنك كثيرًا، آسف لا يزال يعرض علي جسدك.. ثم ابتسم، وقال: والجديد أنه عرض علي أن أستفسر منك عن بعض الموضوعات. تستفسر مني؟! لما كلمته عن الرشوة أحرجني بأني وكاخ نأخذ رشوة، لكنها ليست مالية بل جنسية، ثم أحرجني بأني أنا مَن يدفع الرشوة وهو الذي أخذها، فكلانا سواء. للأسف لدى الإنسان أحيانًا قدرة على الجدل وفلسفة أخطاءه. من تعنين؟ّ! أعني بنيامين، ثم أطرقت وسكتت لحظة، ثم قالت: وأعني نفسي، عذرًا وأعنيك.
صدقتِ.. فمتى تكون فلسفتنا في سعادتنا وتقدمنا بدلًا من فلسفة الخطيئة والرشوة؟ لكن لم تخبرني عما تستفسر؟ قال بنيامين إن هذه هي طبيعة الحياة؛ فهي معقدة، سعادتها ومتعها هو ما تشقى به أرواحنا، مثلها مثل أعيادنا الحزينة التي يفترض أن تكون سعيدة. ربما يكون من مظاهر التحريف التي تحدثنا عنها سابقًا أن اليهودية دين معقد، فليس المشكلة في فهمك، بل في تعقيد حقيقة اليهودية، المهم أعياد اليهود أعياد ليست للفرح بل للحزن في غالبها. كيف؟ الأعياد مخصصة للعبادة، والعبادة اليهودية عبادة بكاء وحزن، ألم تسمع عن حائط المبكى؟! بل في أهم أعيادنا الذي نسميه سبت الأسبات ـ أعني يوم الغفران ـ نصوم أكثر من 24 ساعة ليلًا ونهارًا ولا نقوم بأي عمل سوى التعبد، عمومًا أعيادنا كثيرة جدًّا ومع ذلك يقوم غالبية اليهود خاصة العلمانيين باعتبار الأعياد عطلات وفرح، وأنها بلا عبادة إلا الشكلية منها. ليس هذا هو المهم، هل يمكن أن تكون الحياة معقدة لدرجة ألا نجد السعادة إلا فيما يشقينا؟! للأسف دائما ما يثار هذا السؤال في نفسي، ولم أستطع أن أجيب عليه رغم تعمقي في التوراة والتلمود، وربما كان ذلك بسبب طبيعة تعقد النفسية اليهودية أو الدين اليهودي، وربما كان هذا يحتاج مني أن أكون أكثر علمًا حتى أصل إلى الإجابة. لا أعرف.. ولكني أكره التعقيد، وأعتقد أنه لا يوصل لشيء إلا الشقاء. أكره التعقيد، ولكني واقعة فيه، على كل حال لقد تأخرت عن د. حبيب والساعة الآن العاشرة والوقت ليس في صالحك كثيرًا وهو ينتظرك في الخارج. من هو د. حبيب؟ باحث في الأديان مسيحي كاثوليكي.. لقد اخترته بنفسي فأنا أعرف من يصلح لصحبتك.
أنا شاكر وممتن لكِ، وأنتظر لقياكِ غدًا الساعة الثامنة صباحًا. شكرًا لك جورج.
سنتجه أولًا إلى كنيسة القيامة، فاليوم جمعة وهناك تشديدات في الطرق؛ وقد يأخذ منا الطريق ساعتين. ساعتين؟! للأسف نعم، يأخذ الطريق خمس وأربعون دقيقة عادة، لكن اليوم جمعة وكل الطرق مقفلة من كثرة نقاط التفتيش.
رغم أن الزيادة في الوقت كبيرة ومتعبة إلا أن الأمر يستحق، فالإرهاب كارثة على البشرية. عن أي إرهاب تتحدث؟ إرهاب العرب المسلمين. عفوًا، أنا عربي مسيحي كاثوليكي ولست مسلمًا، لكن الإرهاب الحقيقي هو إرهاب الدولة اليهودية، لماذا تمنع الناس من الصلاة في مسجدهم، أي إرهاب في أن يصلون في مسجدهم؟! عذرًا لست خبيرًا في التاريخ ولا في السياسة ولا في الأديان، ويبدو أنني أمام متخصص، لكن أليس المسلمون هم الذين يفجرون أنفسهم ويفجرون القطارات والباصات ليقتلوا اليهود؟! صدقت هم يفعلون ذلك، لكن هل يمكن أن أسألك ما الذي يصل بإنسان إلى أن يقتل نفسه؟ من تجربة أتصور أنه لا يقتل الإنسان نفسه إلا إذا وصل لحالة يصبح الموت أسعد له من الحياة. وما الذي أوصل المسلمين لذلك هنا؟ لا أعرف، ما الذي أوصلهم؟ الظلم والقهر والاحتلال والإذلال. تبدو متعاطفًا كثيرًا مع المسلمين. أبدًا، أنا لست مسلمًا، ولكني متعاطف مع سكان البلاد من المسلمين والمسيحيين، الذين ألغيت كرامتهم وسلبت أراضيهم وحقوقهم، تخيل نحن المسيحيين نطرد ونهجر من فلسطين وتهان أماكننا المقدسة. لكنكم لم تفجروا كالمسلمين؟ نحن أقلية هنا ومع أننا مهانون إلا أن التعامل معنا أفضل من التعامل مع المسلمين؛ مراعاة للمسيحيين في العالم. ولماذا لا يراعَى المسلمون مراعاة للمسلمين في العالم؟! بوضوح واختصار: نحن نعيش في عالم لا يحترم إلا القوة والقوة فقط.. دعني من ذلك هل تعرف كنيسة القيامة؟ نعم إلى حد ما، فقد قرأت عنها كثيرًا. جيد مع أنك بروتستانتي كما أخبرتني ليفي. نعم، يبدو أن ليفي أخبرتك بكل شيء. أعرف ليفي منذ حوالي خمس سنوات، ولم أرها حريصة على أحد كحرصها عليك وعلى راحتك. لم أعرف ليفي إلا بالأمس القريب، لكن ذلك من حسن خلقها.. كيف تعرفت أنت على ليفي؟ جاءتني متعبة من اليهودية، وكانت تفكر في أن تتنصر فجاءت تناقشني في الكاثوليكية، فهي تحب النقاش جدًّا. وهل تنصرت؟ طبعًا لا، لم تقنعها الكاثوليكية ولا اليهودية مع أنها متدينة جدًّا، كما أنها من بيت دين يهودي لو تنصرت يمكن أن تقتل أو تسجن أو تعاقب بأي عقوبة. ولماذا لم تقنعها بالكاثوليكية؟ ربما للتناقضات الموجودة فيها، وربما للطبيعة اليهودية المعقدة! وربما للطبيعة المعقدة للكاثوليكية. هههه، ربما. عرفتك ليفي لي بأنك باحث في شئون الأديان. نعم.. فأنا دكتور في الجامعة أُدرس مادة تاريخ الأديان. هل يمكن أن تحدثني عن تاريخ الأديان في فلسطين؟ الموضوع بسيط جدًّا رغم التعقيدات السياسية والدينية التي تكتنفه. أعشق البساطة.. أعطني إياه ببساطة لو سمحت. ببساطة.. بلا شك أن هذه الأرض مأهولة قبل كل الأديان، وأن كل الأديان السماوية مرت على هذه البلاد المقدسة، وأن اليهودية سبقت المسيحية والإسلام، فهناك سكان قبل كل الأديان، وكل الأديان جاءت هذه البلاد المقدسة وكانت تتمازج وتصبح جزءًا من هذه الأرض ولا تصادر مَن قبلها، بل تتعايش معه، حتى جاء اليهود في العصر الحديث فأرادوا أن يكونوا هم ـ وهم فقط ـ السكان وأن يلغوا كل من قبلهم ويقتلوهم أو يطردوهم. ألم يَطرُد المسلمون مَنْ قبلهم؟ أبدًا، إحقاقا للحق كنائسنا موجودة من قبل دخول عمر بن الخطاب ولم تتضرر أبدًا. وماذا عن الحروب الصليبية؟ حروب بين دينين وحروب بين السكان الأصليين المسلمون ومعهم بعض النصارى وبين الصليبيين القادمين من أوربا، وإلا فقد كان الناس في وفاق قبل قدوم الصليبيين من أوربا. والمسيحيون ألم يضطهدوا اليهود؟ رغم أني مسيحي إلا أنه في الوقت الحديث، اُضطهد اليهود في أوربا وليس في فلسطين، أما هذه البلاد فهي بلاد التسامح.. أما قديمًا فقد قتلت الدولة الرومانية اليهود واستباحت دماءهم بعد بعثة عيسى عليه السلام وتكذيب اليهود له. تبدو عروبيتك تشدك للتعاطف مع المسلمين، لأن الإسلام دين العرب، أكثر مما تشدك لمسيحيتك! ربما، لكن الإسلام ليس دين العرب، فأكثر المسلمين ليسوا عربًا، وأنا عربي ولست مسلمًا، لكني أكاديمي أحرص أن تكون إجاباتي علمية، والعرب وصلوا للقدس قبل الإسلام، أليس إبراهيم أبا ليعقوب ولإسماعيل، وهو قبل الإسلام وقبل اليهودية؟! عذرًا على المقاطعة، تبدو الأحياء هنا قديمة جدًّا. نعم فقد اقتربنا من البلدة القديمة التي فيها كنيسة القيامة، ألم تلاحظ أننا مررنا على أكثر من خمس عشرة نقطة تفتيش. كم أرثى وأحزن لصفوف كبار السن عند نقاط التفتيش! لقد ساعدني أني مسيحي ومعروف لضباط النقاط في سرعة تجاوز نقاط التفتيش، أما كبار السن فالسبب أن من هم دون الخمسين ممنوعون من الصلاة اليوم.. أي أنه ممنوع دخول كنيسة القيامة لي ولك لو طبق النظام علينا. تبدو البلدة القديمة كنز من الذكريات والآثار للمسيحية! نعم، وللمسلمين كذلك. واليهود كذلك. هم يقولون ذلك، ولكن يبدو أن التاريخ والواقع لا يؤيدهم.. ثم ابتسم وقال: إلا أن القوة تأيدهم وهي الأهم في عالم الغاب الذي نعيشه. أنت متحامل جدًّا على اليهود! العلم يقول ذلك، لكن ربما أكون متحاملًا فهم احتلوا أرضي ومنعوني من حريتي ومن عبادتي. دعني من ذلك كل الأديان تقوله، أظننا وصلنا إلى كنيسة القيامة، أليس كذلك؟ بلى، بإمكانك أن ترى قببها وصلبانها هناك، وسنكمل الباقي مشيًا. ألا تخاف من المسلمين؟ إن نجوت من اليهود فالأمر بعد ذلك سهل، هل سبق وسمعت أن المسلمين قتلوا مسيحيًا في القدس؟
ستذهَل أكثر عندما تدخلها. فلندخل إذن.
أعتقد أن الصور أنسب للمتاحف! فهل تليق مثل هذه الصور بكنائس مخصصة للعبادة؟ هذه طبيعتكم أنتم البروتستانت لا تحبون الصور في الكنائس.. ثم ابتسم ساخرًا وقال: تشبهون المسلمين في ذلك! لأول مرة يقال لي تشبهون المسلمين، فعادة ما تقولون لنا تشبهون اليهود.
هذه رائعة من روائع الدنيا، هذا الشعاع النازل من القبة يمثل الشمس التي تسطع في منتصف القبة من الفتحة التي في القمة، ينبع منها اثنا عشر شعاعا، والدلالة واضحة إلى يسوع القائم كبزوغ فجر يوم جديد، وإلى الإثني عشر رسولا: إشعاع الإيمان في الأرض. وقد تم تدشين القبة في الثاني من شهر كانون الثاني (يناير) عام 1997م. رائعة حقًا، تشعر بروحانيات الإيمان في مثل هذا المكان المقدس. مع أنكم البروتستانت لا تحبون هذا المكان كثيرًا! هههه، ومن لا يحب المكان الذي فيه الخشبة التي صلب عليها المسيح! هذه الكنيسة يهتم بها الكاثوليك والأرثوذكس أكثر. هدمها المسلمون سابقًا! وأنت تقول لم يهدم المسلمون أي بيت عبادة! صدقت.. هدمها الحاكم بأمر الله الفاطمي، وهو في التاريخ هدم الإسلام كما هدم المسيحية، ومع ذلك سمحوا ببنائها بعد هدمها بأربعين سنة.. أنا لست مسلمًا ولا يضايقني أبدًا أن أتحدث عن ظلم المسلمين، وقد تكرر في التاريخ، لكنه لا يقارن بظلم اليهود، وللأسف ولا بظلم المسيحيين لليهود، بالمناسبة أول من بنى الكنيسة مهندس سوري وليس أوربي اسمه “زينوبيوس” عام 336م. غريب، لا توجد أعداد كبيرة في الكنيسة؟ لأن القداس يؤدى يوم الأحد كما تعرف، واليوم جمعة والطرق صعبة جدًّا، وإلا فهذه من أكثر كنائس الدنيا زيارة ومن أقدس أماكن الدنيا.
آمل ألا نكون تأخرنا كثيرًا، فأمامنا من ساعة إلى ساعة ونصف للوصول لكنيسة مريم عليها السلام، والعودة تحتاج من ساعة إلى ساعة ونصف أخرى، وآمل أن نرجع قبل غروب الشمس. جيد، إذن إن سمحت لي أود أن أرتاح قليلًا لمدة نصف ساعة في السيارة فأنا أشعر بشيء من الإعياء. جيد خذ راحتك.
عذرًا يبدو أني كنت متعبًا! يبدو ذلك. أوه، لقد نمت ساعة كاملة! كم بقي ونصل الكنيسة؟ بقي ربع ساعة تقريبًا.. ثم أردف مبتسمًا: عذرًا تبدو لديك صراعات داخلية قوية، من كاترينا وبنيامين وتوم وآدم والعجوز ومايكل وجوتسنا وكاخ وليفي.. من أين لك هذه الأسماء؟! لقد كنت ترددها وأنت نائم. يبدو أني حقيقة متعب، أنا أشعر بتداخل المعلومات والأحداث في رأسي، كما أشعر بثقل في جسدي. إذا لم يحسم الإنسان قضاياه تتداخل في نفسه وروحه القضايا وتتعبه. ربما هذه مشكلتي بالضبط. بالمناسبة أعجبتني جدًّا كلمة كنت ترددها كثيرا. ما هي؟ طريق السعادة، لقد كنت تردد أريد طريق السعادة، كلمة رائعة. ما رأيك أن نتحدث عن طريق السعادة، فأنا أود أن أسألك سؤالًا؟ تفضل. هل أنت سعيد؟ سؤال كبير جدًّا، هل تعتقد أنه يمكن الإجابة عنه؟! نعم أعتقد أنه ممكن. كل الأديان والأفكار والمذاهب تريد ذلك. أنت أستاذ في تاريخ الأديان، فأي الأديان أقرب للسعادة؟ لأول مرة أُسأل هذا السؤال الكبير.. لقد بذلت وسعي للوصول للجواب وما زلت في هذا البحث. هل يمكن في نظرك أن يكون الطريق بلا دين؟ هذا غير وارد أبدًا، فالعلم يثبت أن أكثر هؤلاء الملاحدة مرضى نفسيًّا أو عقليًّا، وأنهم كاذبون في إلحادهم. لم أفهم.. كاذبون في إلحادهم؟! أي يدَّعون أنهم ملاحدة، وهم في داخلهم يؤمنون بالله الخالق الرازق، فالإلحاد في الحقيقة هروب من الدين والتكاليف.. لا دين ولا عقيدة. إذا كان الدين هو الطريق للسعادة، فلماذا لم يستطع أن يجبني باحث أكاديمي في الأديان؟ من حقك أن تقول هذا، وأنا ما زلت في بحثي، وسأصل قريبًا للإجابة. عدني أن تخبرني عندما تصل لهذا الجواب. أعدك أعدك، تبدو مهتمًا بالأديان كما وصفتك ليفي. لا أحب التناقضات، ولا أحب التعقيدات، أحب التوافق بين العقل والروح والجسد وبين المبادئ والمتع، وأحب البساطة العميقة. رائع، أحب ما تحبه بالضبط، تبدو فيلسوفًا، لابد أن نكمل النقاش لكن يبدو أننا وصلنا لكنيسة مريم المجدلية، هذه هي أمامك.
يا لروعة البناء! هذا الفن المعماري الروسي، فقد بناها الإسكندر الروسي بقببها الذهبية الرائعة هذه على جبل الزيتون. هي إذن كنيسة حديثة؟ مقارنة بكنيسة القيامة نعم بلا شك، كنيسة القيامة بنيت في عام 335م، وكنيسة مريم العذراء بنيت في عام 1886م، فبينهما أكثر من 1500 سنة. أستغرب أن كثيرًا من معالمنا المسيحية وضعت بعد وفاة أصحابها بفترة كبيرة؛ مما يشكك في قداستها! للأسف كلامك صحيح 100%، بل حتى الكتاب المقدس كذلك.. تفضل الآن فقد وصلنا ونكمل في طريق العودة، وأتمنى أن ننتهي سريعًا من أجل أن نعود قبل غروب الشمس. جيد، فلننتهي في أسرع وقت.
مبنى رائع وجميل جدًّا. نعم؛ فهو من روائع الفن المعماري. لكنكم الكاثوليك تحبون الصور في أماكن العبادة، أما أنا فأرى هذا لا يليق بمكان عبادة ويذكرني بمعابد الوثنيين. أولًا: الكنيسة ليست كاثوليكية بل أرثوذوكسية، ثانيًا: قلت لك أنكم في هذا تشبهون المسلمين. ليست كنيسة كاثوليكية؟! لماذا إذن تريد كاترينا زوجتي أن أصلي فيها؟! لا أدري!
بما أنك باحث وعالم في الأديان؛ هل يمكن أن توضح لي الفروق بين الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية من وجهة نظرك؟ سؤال صعب الإجابة ومعقد. ألست تحب الأمور البسيطة؟ بسطه لي. سأحاول لكن.. عمومًا هناك فِرَق وطوائف كثيرة جدًّا جدًّا، وسنقتصر ـ للتبسيط ـ على الثلاث الكبار التي ذكرت، أولًا: الأرثوذكس؛ وتعني الرأي الصواب أو الحق أو المتعارف عليه أو شديد التمسك بالدين أو التقليدي وكلها متشابهة، فهم الأصل الأول، ومنه انشقت الكاثوليكية؛ ومعناها العام أو العالمي منذ عام 451م، ومن الكاثوليكية انشقت البروتستانتية بعد حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر التي اجتاحت أوروبا الغربية بين القرنين 14و 17م. إذًا الأصل الأرثوذكس، وليس أنتم الكاثوليك؟ نعم، وإن كنا نحن الأصل لكم أيها البروتستانتي، هههه، المهم: الأرثوذكس تسمى كنيستهم بالكنيسة الشرقية أو اليونانية أو كنيسة الروم الشرقيين وأتباعها من الروم الشرقيين؛ أي من شرق أوربا كروسيا ودول البلقان واليونان، مقر الكنيسة الأصلي مدينة القسطنطينية، ويتبع هذا المذهب الكنيسة المصرية والأرمن والأثيوبيين، وأتباع هذا المذهب يقتربون من ألف مليون نسمة. معقولة ألف مليون شخص! الكاثوليكية؛ وتسمى كنيستهم بالكنيسة الغربية، وتتكون في الغرب من اللاتين في بلاد إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال والبرازيل، ولها أتباع في أوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وآسيا، ويدعون أن مؤسسهم هو بطرس الرسول كبير الحواريين، وأن باباوات روما خلفاؤه، وتدعي أنها أم الكنائس ومعلمتها، وتتبع النظام البابوي ويرأسه البابا، ولمجمع الكنائس الحق في إصدار إرادات بابوية، هي ـ في نظرهم ـ إرادات إلهية؛ لأن البابا خليفة بطرس تلميذ المسيح ووصيه، فهو من ثم يمثل الله؛ لذا كانت إراداته لا تقبل المناقشة أو الجدل، وأتباع هذا المذهب حوالي ألف مليون نسمة. جيد، أكمل والبروتستانت؟ البروتستانتية؛ وتسمى الكنيسة الإنجيلية بمعنى أن أتباع تلك الكنيسة يتبعون الإنجيل ويفهمونه بأنفسهم دون الخضوع لأحد آخر أو طائفة أخرى، ولا يعتقدون بالإلهام في رجال الكنيسة، وهم مسيحيون في الإجمال، لأنهم يؤمنون بالعقائد الأساسية.. ولكنهم لا يؤمنوا بالعديد من الأسرار الكنسية، والطقوس، والصلوات المرتبة من الكنيسة، والمعمودية، والتقليد.. ورفضوا بعض أسفار الكتاب المقدس، والعديد من العقائد والتقليد المقدس. تريدون أن تخرجونا من المسيحية، لا بأس، ما الفروق الجوهرية بين الطوائف الثلاث؟ لقد ذكرت جوهر القضية عندما قلت: تريدون أن تخرجونا من المسيحية، الحقيقة أن الاختلافات كبيرة جدًّا بين الطوائف لدرجة عدها بعضهم أديانًا مختلفة لا دين واحد بطوائف. كيف؟ وضح لي؟
كل عقائد النصرانية فيها خلاف بين جميع الطوائف، ولذا لا يمكن تفصيلها ونحن في السيارة، فهم يختلفون في الله وفي عيسى وفي الكتاب المقدس وفي طقوس العبادة وغير ذلك كثير جدًّا. كيف يكون دين واحد ويكون الاختلاف لهذه الدرجة؟ لا شك أن واحدا منها هو الصواب. فكرة أن واحدا هو الصواب هي التي أشعلت الحروب بين هذه الطوائف. حروب؟! نعم، حروب أبيد فيها الملايين، على سبيل المثال حرب الثلاثين عاما بين عامي 1618 و 1648 م، وقعت بين البروتستانت والكاثوليك والدول المتحالفة معهم، وكلفت الأوربيين الملايين من الضحايا، بل كلفت ألمانيا لوحدها نصف رجالها وانخفض عدد سكانها من عشرين مليونًا إلى ثلاثة عشر ونصف مليونًا!
أي وحشية هذه؟! يثبت التاريخ أن الاختلافات والتباينات العقدية الحادة عادة ما تتحول إلى صراعات في الواقع شئنا ذلك أم أبينا. تاريخ إرهابي مزعج جدًّا! نعم للأسف، وعمومًا صراع الأديان عادة ما يكون متعبا ابتداءً من حرب اليهود واضطهادهم للنصارى وقتلهم عيسى عليه السلام، ثم اضطهاد النصارى لليهود، ثم اضطهاد اليهود للمسلمين والنصارى. مرة أخرى لم تذكر اضطهاد المسلمين للنصارى أو لليهود! لأني لا أعرفه في التاريخ، هل يمكن أن تعطيني مثالًا؟ هدم المسلمين كنيسة القيامة. هناك حوادث كثيرة مثل هذا، لكني أتحدث عن اضطهاد عام وقتل للناس ومنعهم من أداء شعائر عبادتهم، فالإسلام نهى عن تحطيم أديرة وكنائس النصارى وعن قتلهم، وما حدث من ذلك لا يصل أن يكون اضطهادًا عامًّا أبدًا. يبدو أنك مسلم مختفِ في النصرانية. هههه، ربما، ومن يدري ربما أُصبح مسلمًا أو بروتستانتيا يومًا ما، ألم أقل لك أنكم مثلهم لا تحبون التماثيل والصور في أماكن العبادة، ثم التفت لجورج وقال له: أو ربما أسير معك في طريق السعادة، ذكرتني.. ما قصة طريق السعادة؟! طريق السعادة، قصتها طويلة جدًّا. بسطها واختصرها لي. في الحقيقة أنا تعبت جدًّا من تساؤلات الحياة الكبرى: لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ ولماذا نعيش؟ وإلى أين المصير؟ وعلمت أني لن أسعد حتى أجيب على هذه التساؤلات؛ فبدأت في البحث عن طريق السعادة، ثم ابتسم وقال: والأسماء التي أخبرتني أنك سمعتها مني وأنا نائم كانت شخصيات مرت بي ومعي في طريق السعادة. وهل زيارتك للمدينة المقدسة وزياراتك ونقاشاتك جزء من بحثك عن السعادة؟ جئت زيارة عمل، لكن الحقيقة التي حركتني هو ما ذكرت. ومتى ستنتهي من هذا الطريق؟ لا أدري، لكني مصر على الوصول إليه، ثم ابتسم والتفت إليه، وقال: وطريق السعادة بحد ذاته طريق سعيد. يبدو بيني وبينك وبين ليفي كثير من التشابه. كيف؟ هي جاءتني تبحث عن السعادة في غير اليهودية ولم تقنعها الكاثوليكية، وأنا كنت أرثوذكسيًا وتحولت إلى كاثوليكي ولا زلت مستمرًا في البحث. جرب البروتستانتية.. ربما كانت المخرج، دائمًا ما أقول لزوجتي الكاثوليكية أن دينكم معقد بالطقوس الكثيرة وبالأسرار غير المنطقية. ربما، وأين وصلت في طريق السعادة؟ عذرًا، بل أين وصلنا في الطريق إلى الفندق، فيبدو أني في بداية وعكة صحية، أشعر بأن جسدي ثقيل مع دوار بسيط. لا بأس عليك، يباركك الرب، بقي حوالي الربع ساعة. أنا ممتن لك، فقد استفدت منك كثيرًا. بل الشكر لليفي التي عرفتني بك، وشكرك لها؛ فهي حريصة عليك بشكل كبير جدًّا. نعم، ليفي فتاة نادرة جدًّا، وأنا ممتن لها. كأنك تحبها، ألم تقل لي أنك متزوج؟ نعم أنا متزوج، وهي فتاة رائعة جميلة، لكني رغم جمالها الفاتن وفتنتها الطاغية أحب روحها أكثر مما أحب جسدها. يبدو أنك عاشقًا أفلاطونيًّا! هههه، أو معقدًا مريضًا كما يقول لي كثير ممن يعرفني. في مجتمعاتنا المادية أصبح الجسد مقدم على الروح، في عبادته وفي متعه، وهذا لدى غالبيتنا، وربما لدى اليهود بوضوح أكبر. كيف؟ من مزايا المسيحية النظرة الروحانية للقضايا، لكن مجتمعاتنا المادية اهتمت بأفراح الجسد على حساب أفراح الروح، وتاريخ اليهود يثبت أن لديهم نظرة مادية لكل شيء: للإله ولليوم الآخر وللأخلاق والسلوك، كل شيء يمكن أن يباع ويشترى، ولا أعني بالبيع والشراء المال فقط. ألم أقل لك أنك متحامل على اليهود؟ يمكنك أن تتناقش مع ليفي في ذلك؛ فهي يهودية فاتنة ولن تكون متحاملة على اليهود، ويمكنك النظر في التاريخ والواقع. حاججتني كعادتك، هل وصلنا فأنا متعب؟ دقائق قليلة ونصل.
مرحبًا جورج. مرحبًا. كيف كانت رحلتكما؟ رائعة، وكيف لا تكون كذلك وأنا في صحبة الرائع د. حبيب! آمل أن يكون اختياري جيدًا. بل رائع، شكرًا لك. أحببت أن أطمئن عليك قبل غروب الشمس ودخول يوم السبت. أنا بخير، أشكرك على اتصالك، وأشكرك على ترتيباتك، متى سألقاك غدًا؟ متى ما أردت فأنا في شوق إليك. وأنا في شوق إليكِ، موعدنا الساعة التاسعة فأنا متعب قليلًا وأود أن أرتاح أكثر.
لا بأس عليك، ليحيطك الرب بعنايته، هل أحضر لك طبيبًا؟ شكرًا ليفي أنا ممتن لك وستجدينني بكامل نشاطي جاهزًا في الساعة التاسعة. مع السلامة. شكرًا لك مع السلامة.. ... مكالمة دافئة!! ماذا تقصد؟ لا شيء، ليفي فتاة رائعة وجميلة وفاتنة كما تقول. ماذا تقصد؟ كنت أمزح معك، يبدو لي أن ليفي معجبة بك جدًّا، كما أنك معجب بها جدًّا، وكلاكما يحاول أن يركز على إعجابه بروح الآخر وفكره وأخلاقه.. ثم ابتسم وقال: وكلاكما معجب بجسد الآخر أيضًا، ولذا انتبه أن يتجاوز الإعجاب بالروح إلى الإعجاب بالجسد، أو أن تنجرا لشيء لا تريدانه وتتنازلا عن مبادئكما التي حدثتني عنها ليفي، عمومًا تفضل فقد وصلنا، هذا هو الفندق. شكرًا على النصيحة الصادقة الصعبة، تفضل معي لنتغدى أو نتعشى؛ فنحن لم نتغد حتى الآن. أنت متعب، وأنا كذلك وأرجو أن تعذرني. شكرًا لقد استفدت منك كثيرًا، وهذه بطاقتي فيها معلومات الاتصال، أتمنى أن يستمر التواصل بيننا،.. هههه، وغدا سأكون طوال اليوم مع ليفي ولا بأس أن تكون حارسا بيننا. أعرف اهتمامك بالثقافة والفكر والمبادئ، لكني أنبهك كما نبهتها إلى اختلاط الأمور أحيانًا، كما أننا بشر لنا ضعفنا البشري، شكرًا لك.. أتمنى رؤيتك قبل سفرك.. وهذه بطاقتي.. أخبرني دومًا أين وصلت في طريق السعادة.
«بعد التحية: قد اطلعت على نقولات التوراة المحرفة التي أرسلتها لي فوجدتها لا تطاق ولا تصدق، فشكرًا لك على إرسالها وسنتناقش فيها بعد عودتك، وآمل أن تستمر في إرسال مثل هذه الرسائل؛ فأنا أستفيد منها كثيرًا».
«بعد التحية: أما نقولات التوراة؛ فقد قلت لك سابقًا إن كل الأديان لا تنفع شيئًا، وكدت أنت أن تغير رأيي حتى جاءت منك هذه الرسالة، وأظنك بدأت تقتنع بكلامي، ولا تنس أن النصارى يؤمنون بالعهد القديم الذي هو التوراة التي انتقدتها، موعدنا يوم الثلاثاء الساعة الثانية مساءً لنتناقش في ذلك، وإن كانت لديك أمور أخرى فأرسلها لي».
«قد قرأت ردك وسأحاول أن أوافيك بالأخبار أولًا بأول، فاليوم كان حافلًا كالأمس، وقد كان عن التعقيدات في الأديان، وعن صراع الأديان واضطهادها، وعن خلافات الطوائف المسيحية وغير ذلك، ولكوني متعبًا قليلًا سأحاول أن أرسل لكم غدًا بعض ما توصلت إليه».