جورج.. جورج، ألا تريد الخلاص ممّا أنت فيه؟ ماذا تعنين؟! بلى.. طبعًا! جارتنا الجديدة ذكرت لي الطبيب النفسي الشهير توم أركسون، قالت لي بأنّها تعالجت عنده.
جميل.. هل أذهب إلى طبيب نفسي لأقول له أرجوك علمني كيف أنسى أنني أجهل لماذا خلقت؟ ولماذا أعيش؟ بل لتقول له: كيف أعرف لماذا خُلقت؟ ولماذا أعيش؟ لأعرف الجواب!! نعم.
جورج! نعم..نعم.. كنت سأسألك: هل الطبيب توم بروتستانتي؟ أم أنّ لحماستك سببًا آخرًا؟ جورج حبيبي.. حماستي لنعيش سعداء معًا، ربما تكون محقًّا في أنّي أتعمّد الهروب من نفسي، ولكن أليس ذلك أفضل من عيشة الحيرة والشك التي تعيشها أنت؟!
حسنًا، لقد اتخذت قراري أن أبحث عن طريق السعادة، لن أهرب بعد اليوم، بل سأسعى لأجد الإجابة.. ثمّ ابتسم، وتابع: ولكن لن أبحث عنها عند قس كاثوليكي، أمهليني لأسأل عن هذا الطبيب أولًا. سنسأل عنه، وأدعو الربّ أن يجعل على يديه الشفاء. هههه، إذن أنا مريض يحتاج إلى علاج، ولست فيلسوفًا يبحث عن إجابة! العلاج هو الوصول إلى الإجابة، وليس لأنك مريض.. ثمّ غمزته بعينها وارتمت على صدره، وقالت: اتفقنا حبيبي؟ اتفقنا!
اسمي براد، أنا لم أرك سابقًا، أظنّ أن الطبيب مشغول الآن.
ألم تأخذي لنا موعدًا؟ بلى لقد حضرت قبل ثلاثة أيام، وأخذت موعدًا!
نعم..نعم، عذرًا نسيت لقد أخذتِ موعدًا، تفضلا هو بانتظاركما.
لكنّ الموعد لي أنا فقط! وكاترينا زوجتك، وأقرب الناس لك، وستفيدني كثيرًا في فهم وضعك، وأنا أقترح أن أجلس معها أولًا لدقائق، ثمّ أجلس معك.
حبيبي.. الطبيب في انتظارك، أنا سأذهب الآن لديّ موعد في الكنيسة.
لماذا تريد أن تعرف من خلقك؟ ولماذا تعيش؟ وإلى أين المصير؟ لأنّي أريد أن يصبح لحياتي معنى تنتظم فيه روحي وحياتي. مممم، يبدو أنني أمام حالة مثقفة ومميّزة، لماذا لا تستخدم الطرق الفلسفيّة في التفكير؟ لم أفهم، ماذا تعني؟ كيف لم تفهم أيّها الفيلسوف! عندما نجيب بطريقة فلسفيّة فإنّ كلّ جواب ينبني على حزمة من التساؤلات التي تعين على الجواب.
لكي نجيب على أسئلتك سأطرح عليك أسئلة أخرى، مثلًا: من أين يمكننا أن نأتي بالجواب؟ بدلًا من أن نغوص في الإجابة، لننظر من أين يمكننا العثور عليها؟ وما معايير صحّتها؟ ألا ترى معي أنّ هذه الطريقة منطقية فلسفية مريحة؟ ربما! تمتاز هذه الطريقة بقدرتها على إخراج الأجوبة من داخلك وروحك، ثمّ ابتسم وتابع: وهي بلا شك أفضل من الطريقة الكاثوليكية التي تقوم على التسليم المجرد للتناقضات بلا عقل! موعدنا الأسبوع القادم، حاول أن تأتيني بالإجابة على السؤالين التاليين: من أين يمكننا الوصول إلى إجابة؟ وما ضمانات صحّة هذه الإجابة من عدمها؟ اتفقنا؟ رغم سوء ما قلت عن الكاثوليكية، إلا أنّه منطقي وعقلاني، اتفقنا.
جلسة موفّقة، وتحياتي لكاترينا!
هل تصدّق أنّني لم أشعر بك عندما وضعت القهوة، أحيانًا تشغلنا تساؤلاتنا الداخلية حتّى عن أنفسنا! التساؤلات الداخليّة دليل على الوعي والذكاء، لكن.. لكن إذا زادت فهي دليل على صراع داخلي، وتناقضات في القناعات والأفكار.
وما أسباب هذه الصراعات أو التناقضات برأيك؟ أسبابها كثيرة، من أهمّها أن ّصاحبها لم يحسم القضايا الكبرى التي يعيش من أجلها، نحو: لماذا خلقنا؟ لماذا نعيش؟ إلى أين المصير؟ والمشكلة تكمن في التعقيد، فالبساطة تمنحنا من العمق في الإجابة على تلك الأسئلة ما لا يمنحنا إياه التعقيد الذي لا يجاوز السطح غالبًا!
وكيف نحصل على إجابات هذه الأسئلة ببساطة؟ يهرب الكثير من الإجابة باللهو أو شرب الخمر أو الجنس، أو غير ذلك، والسؤال من علامات الوعي المهمّة، لكن...
من تعني يا سيدي؟ جئت قبل نصف ساعة واستقبلني نادل آخر. ربّما يكون كات أو آدم فقد انتهى دوامهما قبل ساعة، وجاء دورنا.
متى تبدأ فترة كات أو آدم؟ غدًا الساعة التاسعة صباحًا، حتّى الخامسة أو السادسة مساءً. شكرًا.
ما أخبار الطبيب؟ إنّه طبيب غريب الأطوار، وإن كان مقنعًا بعض الشيء، ثم التفت إلى كاترينا بحزم: ماذا كان يريد منك عندما جلستما وحدكما؟ لا أعرف حبيبي، رحّب بي فقط، وعرّف بنفسه وبإمكاناته، ثمّ سألني عن عملي وحياتي.. كان لبقًا ومهذبًا جدًّا. ووسيمًا أيضًا! ألم يسألك عنّي أبدًا؟ سألني عندما هممت بالانصراف، فأخبرته أنّك قلق من تساؤلاتك عن الحياة! فقط؟! فقط، كان أغلب الوقت يتحدّث عن نفسه وعنّي، كم كان مؤدّبًا! مممم، عجيب كلامك عنه، مع أنّه ملحد لا يؤمن بالأديان، ويحارب التديّن، ويرى أنّها مرض، ويبدو لي أنّه وقح أيضًا! جورج! لقد كان في غاية اللطف والأدب معي!لم يتحدّث معي في الدين أبدًا، حتّى عندما عرف أنّني معلمة لاهوت. عمومًا أنت ذهبت إليه لطبّه لا لدينه ولا لأدبه!
ومع من كنت تسهرين وتشربين؟! ليس لك أن تكون وصيًّا عليّ، ومن حقي ألا أجيب، ومع ذلك كنّا في حفل بمباركة القس.
كان لديّ مجموعة أسئلة، فأضاف أسئلة إلى أسئلتي! وحيرة إلى حيرتي! كيف! بدلًا من أن يجيب على أسئلتي، سألني أسئلة أخرى، وطلب مني الإجابة عليها. أسئلة أخرى! نعم، من أين نعرف إجابات هذه الأسئلة، وما ضمانات صحّة الإجابة؟ رغم غرابة أسئلته! لكن ربّما يكون معه حقّ!
دعيني من هذا، لقد قابلت اليوم رجلًا آخر عجيبًا، هزّني من داخلي، وكلّمني صدفة في نفس الموضوع الذي زرت الطبيب من أجله! نفس الموضوع! هذا من عجائب المصادفات! وماذا قال لك؟! لا أعرف بالضبط، لم يكمل حديثه معي، غير أنّه يبدو لي أنه رجل متديّن بخلاف توم، وكان يتحدّث عن البساطة في إجابة الأسئلة، وعن عمق البساطة، ومعنى الحياة، والسعادة، ثمّ ركز النظر في عينيها: وعن هروب الناس من الإجابة بشرب الخمر والسهر وغير ذلك! بما إنّه متديّن فكلامه حسن، ربّما كان متشددًّا قليلًا في موضوع الهروب من الإجابات! “وابتسمت”: ربّما كان كاثوليكيًّا! حبيبي تبدو مُجهدًا ولا تستطيع التركيز فيما تقول! ربما.. ربما، لكنّه هزّني من الداخل على أيّة حال، لننام الآن، لدّي عمل كثير غدًا.
موعدنا يوم الأربعاء، الساعة الثامنة مساءً، سنسهر سويًّا في الكنيسة. من المتّصل؟! شخص يريد أن يتعلّم الكاثوليكية. يتعلّمها في سهرة! سهرة في الكنيسة، لا في مرقص دعارة! أم تريده أن يتعلّمها في المقبرة! دعنا ننام، فقد صرت حساسًا جدًّا.
صباح الخير. صباح الخير. كيف كانت زيارتك للطبيب أمس؟
لا بأس، ما زلت في البداية، ستتضح الأمور لاحقًا. جيّد، ولكنّك تضيع وقتك ومالك، التفكير في هذه الأمور مضيعة للوقت، بالنسبة لي لو أخبرتني من سيدفع لي أكثر سأجعله إن أردت إلهي.. وضحك ضحكة عالية، وقال: هلَّا أتيت إلى مكتبي، فلدينا أعمال عاجلة جدّت بالأمس. حسنًا سآتي إليك، ولكن بعد ساعة إذا أمكن. حسنًا، بعد ساعة.
صديقي، هل عالجك الطبيب من وسوستك؟ لستُ موسوسًا ولا مريضًا، وإنّما ذهبت إلى الطبيب ليعينني على الإجابة على أسئلتي. يبدو أنّ الموضوع حسّاس بالنسبة لك، كنت أداعبك فقط، وأنت تعلم رأيي جيّدًا، انس الموضوع، ولتهتم بزيادة أموالك والتمتّع بالحياة ومتعها فحسب.. المهم دعنا من هذا، طلبت الاجتماع معك لأنّ شركة التوظيف التقني في الهند أرسلت لنا بالموافقة على شروطنا، ونحن في حاجة سريعة لتوظيف عددٍ من عندهم، كما نريد تقوية تحالفنا مع شركة توزيع البرامج في الهند، فلا بدّ من سفر أحدنا إلى الهند خلال أسبوعين، هل أنت جاهز؟
بهذه العجلة؟! للأسف نعم، وأنا لا أستطيع السفر؛ فاجتماع مجلس الملاك كما تعرف بعد أسبوعين. سأنظر في ظروفي، وسأؤكد لك ذهابي خلال هذه الأيام، أتمنى أن تضع لي نسخة متكاملة من العقود والاتفاقيات على النظام في الشبكة الداخلية؛ لأقرأها وأتفحصها، أراك الأسبوع القادم وقد وضحت الأمور بالنسبة لي. موعدنا إذن الأسبوع القادم، أتمنى أن تجهز نفسك للسفر.. ثم ابتسم بمكر: واترك عنك الطبيب، فلدي مفاجأة لك سأخبرك بها الأسبوع القادم.
طلبك يا سيّدي؟ قهوة لو سمحت.. لحظة: اسمك كات أم آدم؟ آدم سيدي.
هل لك أن تجلس لنتحدث سويًّا؟ عذرًا سيّدي، تسعدني خدمتك، ولكن لدّي مهام ينبغي أن أقوم بها.
هل تسمح لي بتوصيلك بعد نهاية دوامك؟ هذا كرم منك، أنا موافق.. على الأقل لن أركب الحافلة.. سينتهي دوامي بعد نصف ساعة. سأشرب قهوتي ريثما ينتهي، وثق أنّني سعيد بتوصيلك. شكرًا لك، بالإذن.
أنا جاهز، هل ننصرف؟
وأنا أيضًا، هل تريد أن تنصرف إلى بيتك، أم أدعوك إلى كوب قهوة في هذا المقهى، أم وجبة عشاء في مطعم قريب؟ إن كنت أنا صاحب الخيار، فأفضّل الثالث. مطعم السعادة القريب قد يكون مناسبًا. مناسب جدًّا، يعجبني اسمه، فالسعادة روح جميلة يفتقدها الكثير للأسف في زمن الحيرة والشك والتعاسة! كانت كلمات آدم شديدة الوقع على جورج، شعر بها تتقصّده وتحاصره، لكنّه فضّل الصمت.
تفضّل، اطلب ما تريد. أريد سمكًا مقليًّا مع سلطة خضراء. وأنا أحضر لي ستيك لحم بقري مع بطاطس.
ها نحن في مطعم السعادة التي يفتقدها الكثيرون في زمن الشك والحيرة والتعاسة.. كما تقول! هههه، نعم، الشك والحيرة يقتلان معنى الحياة، فيتحول الناس إلى أتراس في آلة صمّاء، لا معنى لحركتها ولا طعم، مجرد آلات لا تفهم السعادة فضلًا عن أن تعيش بها. إذن أنت من أنصار الهروب من الحيرة والشك إلى التسليم الأعمى. أبدًا.. أبدًا، الهروب يجعل حال صاحبه أسوء ولو أظهر غير ذلك، فالأول جائع يصرخ أنه جائع، والثاني جائع يصرخ يريد أن ينام! هههه، إذن كلاهما جائع! لكن الأول أعقل وأذكى في التعامل مع نفسه. أجبني بصدق، هل أنت سعيد؟
هههه، تريد الجواب ببساطة: نعم، فالسعادة هي انطباع لنظرتنا لأنفسنا وللحياة وللكون في نفوسنا. أخشى أن تكون سعادتك كسعادة زوجتي المتديّنة مثلك، والتي ـ بتعبيرك ـ تهرب من الإجابات بالشرب والسهر! ثمّ سكت قليلًا، وأردف: ما معنى الحياة بنظرك؟ من يهرب من الإجابة على التساؤلات الكبرى لن يشعر بالسعادة، حتّى لو انتحلها ومثّلها.. وأمّا سؤالك عن معنى الحياة؛ فهي إعادة تركيب للأسئلة الثلاثة: لماذا خلقنا؟ ولماذا نعيش؟ وإلى أين المصير؟ وما إجابة هذه الأسئلة؟ هل تعتقد بوجود شخص يحس ويتذوق ويشم ويعيش السعادة ولا يعرف إجابة هذه التساؤلات؟! أجبني بوضوح، هل تعرف إجابة لهذه التساؤلات؟ أظن بأن لديّ إجابات واضحة ومقنعة جدًّا لي، لكن ليست الإجابة في أن أسرد عليك أفكاري، أنت أعلم منّي فيما يبدو، فأنا ما زلت طالبًا في الجامعة تخصّص دراسة الأديان، أمّا أنت مهندس كبير.. ثمّ إنّ الإجابة هي ما تجيب به روحنا وحياتنا، حتى لو قلت لك أي جواب، هل سيعني لك شيئًا إذا لم يكن جزءًا من روحك وتفكيرك؟ أنت تذكرني برجل عجوز قابلته في الطريق، كان يدّعي أنّه سعيد، وقال لي ما تقوله الآن. هل تقصد أنّني حكيم أتحدّث كما يتحدّث رجل خبر الدنيا وعرفها، أم تقصد أنّني أتفلسف بكلام لا معنى له! على كلّ حال الإجابة هي أن تعزم بإصرار على الوصول إلى الإجابة. نفس كلام العجوز! أعزم على ماذا؟ تعزم على إجابة هذه الأسئلة، لتسعد في حياتك.. وركّز في عيني جورج: دعني أسألك سؤالًا: من أين يمكن أن نصل للجواب؟ انتقلت إلى ما قاله الطبيب! أصبحت مثل الطبيب!
هههه، أنت مجموعة ألغاز، أي طبيب تتحدث عنه؟ هل كان العجوز طبيبًا؟ آسف، يبدو أنني متعب، لا ليس هو العجوز، أنا أتعالج عند طبيب طلبًا للسعادة، فقد أتعبتني هذه التساؤلات وأصابتني بحالة من الهم والغم.
هل بلغ همّ هذه التساؤلات درجة أن تحتاج إلى طبيب! أؤكد لك أنه لا توجد إجابة من خارج روحك وحياتك، عمومًا ما الذي يشبه كلام الطبيب؟ قال: قبل البحث عن الجواب يجب أن نحدد من أين يمكن أن نأتي بالجواب؟ من وجهة نظري هذا طرح جيد وبسيط، والبساطة مفتاح النجاح والوصول إلى الحقيقة،أمّا التعقيد فعلامة الفشل والتعب والحيرة.. يبدو طبيبك منطقيًّا وجيّدًا، فهل هو كذلك؟ منطقيٌّ نعم، أما جيدٌ فلا أظن؛ فهو شخص غير مريح، ويبدو أيضًا أنه بلا أخلاق. وماذا ستفعل؟ لا أدري، أفكر أن أستمر معه حتى أرى النتيجة، ولكن أجبني: من أين نأتي بالجواب؟ عذرًا، لا أريد أن أتعارض مع الطبيب، ماذا يقول لك الطبيب؟
قال لي: ابحث بنفسك، وسألني عن: من أين نأتِ بالإجابة؟ وما ضمانات صحة الإجابة؟ بداية جميلة ورائعة وبسيطة وعميقة، وأنا لست طبيبًا لأقوِّم رأي الطبيب! ومن أين يمكن أن نأتِ بالإجابات؟
ابحث في روحك من خلال النظر في الأديان. في الأديان!! نعم.. في الأديان؛ فإن لم يكن في الأديان، فهل تريدنا أن نبحث في الإلحاد؟! كم أكره الإلحاد! هو خلل في العقل والعلم. إذن لا بد من البحث في الأديان. لدي احتمال سفر إلى الهند المليئة بالأفكار والأديان، فهل سفري إليها سيساعدني على أن أتعرف على مختلف المناهج؟ أنا لست طبيبًا لأنتقد أو أصوب، يمكنك سؤال الطبيب، لكن سأقول لك رأيي بصراحة: من الجيد أن تتعرف على طريقة الأفكار والأديان والمذاهب في الإجابة على هذه التساؤلات، وكلما كانت بسيطة وسلسة ومنطقية وواقعية وتشبع الروح والحياة كلما كانت الإجابة أقرب للصواب. وكيف يمكن أن أنظر في الأفكار والأديان؟! رأيي أن تنظر نظرة عامة أولًا. كيف؟! يمكن أن نفكر ونتبين منهجين: منهج يقوم على الدين، وآخر يقوم على الإلحاد، كما تحدثنا قبل قليل، وأنا قطعًا مع المنهج الذي يقوم على الدين، ألم أقل لك أني طالب في دراسات الأديان؟
لا أود أن أشغلك كثيرًا عن وجبتك، ويبدو أني أثقلت عليك، لكني حقيقة محتاج إلى عونك لي، ربما يكون لقائي بك حديثًا ومعرفتي بك سطحية لكن أجدني مرتاحًا لكلامك كثيرًا وآمل ألا أزعجك. هههه، أنت لا تزعجني أبدًا، تكفيني دعوتك للعشاء، فما بالك إذا كانت في مطعم السعادة! المهم أن تأكل أنت.
لماذا منهج الأديان أولى من منهج الإلحاد؟ بالمناسبة طبيبي ملحد ينكر كل الأديان ويسخر منها. رغم أني أتوقع من كلامك أنه طبيب ممتاز، إلا أني متأكد أن الملاحدة أكثر الناس شقاء وهروبًا من أنفسهم. أما لماذا منهج الدين لا منهج الإلحاد؛ فهذا له تفاصيل كثيرة يمكن إجمالها في النقاط التالية: أولًا هل يُتصور أن يَعرف لماذا خلقنا غير خالقنا؟ بطريقة أخرى: لا يمكن لي ولك أن نعرف لماذا خُلقنا إلا من الخالق نفسه؟ ومنهج الإلحاد ينفي وجود الخالق والرب والإله. ثانيًا: الإلحاد يتناقض مع نفسه في كل جزئية من أطروحاته؛ فهو يفترض أن العالم يسير وفق نواميس دقيقة لا تتغير، وهذه الدقة خلقت صدفة ودون أي نظام أو خالق.ثالثًا: هم كثيرًا ما يخفون إيمانهم بالرب في داخلهم، ويتضح هذا منهم عندما تصيبهم فاجعة أو مصيبة فأول ما يقولون: يا الله. رابعًا: أقول لك بصراحة: هل تعتقد أن الإلحاد حقيقة أم محاولة للهروب من الحقيقة؟ حتى لو كان هروبًا لسراب أو لفراغ في الروح! واحدة من هذه تكفي، فكيف إذا اجتمعت! وأظن أني أتفق معك تمامًا؛ فلا داعي للإكمال؛ فالإلحاد وهم يظن صاحبه أنه علمي لا غيبي، وهو في الحقيقة يضيع العقل والعلم، ويورث الكذب على النفس قبل الكذب على الناس، ثم أردف قائلًا: لكن القضية الرئيسة هي: أي الأديان نتبع؟ فعدد الأديان كعدد مجموعات البشر الأحياء.. ثم ضحك، وقال: بل ربما أكثر! أتفق معك تماما، يقولون عدد الأديان الموجودة أكثر من 10000 ديانة، وفي ديانة واحدة كالمسيحية 33830 طائفة مختلفة، ولكن ألا تحب أن نستمر في النظرة الكلية؟! ماذا تعني؟ نحن قسمنا المناهج بالنظرة الكلية إلى مؤمنين وملاحدة، أليس كذلك؟ بلى. تبعًا للنظرة الكلية، الأديان والإيمان قسمان: إما أديان منهجها سماوي من عند الله، أو أديان منهجها أرضي من صنع البشر. فهمت مقصدك، وأيهما في رأيك أفضل؟ دعني من رأيي، ألم تقل لي أنك مسافر للهند. نعم، وما شأن هذا بموضوعنا؟ بلاد الهند غنية بالأفكار والأديان والمذاهب والنحل الأرضية والسماوية، يمكنك في الهند أن تقارن بين أصحاب الديانات السماوية والديانات الأرضية، وتراها واقعًا لا وصفًا. مع إني أملك رأيًا واضحًا في ذلك، لكن لا يضير تأجيل الموضوع إلى ما بعد عودتي من الهند، ولكن لدي سؤال: هل تعتقد أن هذا الطريق والأسلوب يمكن أن يوصلني للإجابة؟ الهداية والتوفيق واليقين فضل من الله، وإن كنت صادقًا في البحث عما تريد فأظنك ستصل، المهم أن تكون لديك إرادة صادقة، وأن تكون مصرًّا على ذلك، وتأكد من أنك تأخذ الأمور ببساطة لا بتعقيد، وبسعادة لا باكتئاب. عدت إلى كلام الشيخ العجوز! أين يمكن أن أرى هذا العجوز؟ فقد شوقتني له. لا أدري، حقيقة لا أدري، كنت في حالة صعبة، وهو الذي أخذ هاتفي، وقال سيتصل بي ولم آخذ رقمه، بالمناسبة: هل يمكن أن تعطيني رقمك وبريدك الإلكتروني؟
أنا آسف، كما تعلم أنا مجرد نادل ولا أملك بطاقة شخصيّة لأعطيك إيّاها! لا بأس، على أن أراك بمجرد عودتي من الهند، اتفقنا؟ اتفقنا.