ما هذه الحقنة التي بيدك سيدي؟ أعطاني إياها الطبيب، وأكد عليَّ أن أحملها معي في الطائرة؛ فقد تأتيني حرارة مفاجأة. هل تسمح لي أن أراها؟ تفضل، هل أنت طبيب؟
أنا صيدلي، ويبدو أن هذه الحقنة مهمة جدا لك، وعمومًا هو دواء نادر الاستخدام. لماذا تستخدمه؟ لا أعرف، ولم يخبرني الطبيب. لا أعرف، لكن هذه الحقنة توصف للحالات الطارئة جدا؛ لتهدئة فيروسات لا يمكن القضاء عليها. يبدو أن هذا من حرص أصدقائي عليّ، وإلا فأنا بخير. ربما، لكني لا أظن، فهذه الحقنة لا تباع إلا بوصفة طبية خاصة، ولحالات طارئة. ربما، لا أدري، لكنني بصحة جيدة. الصحة والعافية تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى، عذرا على إزعاجك. أبدا.. شكرا لك.
عذرا ما وجبتك المفضلة: دجاج أم لحم؟ لحم.
يبدو أن ذهنك مشغول تمامًا! أوه.. نعم؛ فقد كانت رحلة رائعة غنية بالمعلومات. كم جلست في القدس؟ أربعة أيام. فقط! نعم، لكن كأنما هي شهور، لم ولن أنس أناسا رائعين قابلتهم، وتعلمت منهم الكثير في هذه الأرض المقدسة. هل أنت يهودي؟ لا.. لماذا؟ أنا يهودي.. عذرا، ولكن لا يرتاح في القدس عادة إلا اليهود؛ لأن البلد معَد لهم، أما النصارى والمسلمون فوضعهم غير مريح، فلما ذكرت لي سعادتك وروعة من قابلت ظننتك يهوديا؟! قابلت يهود ونصارى في القدس، كلهم رائعون جدا. ربما يصلح هذا الحديث في بريطانيا، أما في تل أبيب فالدين هو محرك الناس والشعوب. أنت يهودي، فهل من الممكن أن أسألك سؤالا؟ تفضل. هل أنت مقتنع بالتعاليم التوراتية؟ لا، فهي لا تفهم إلا بالتعاليم التلمودية. جيد، وهل أنت مقتنع بالتعاليم التلمودية؟ ههههه، لا أيضا، لكن هكذا هي وصلتنا. عذرا، ألا يزعجك هذا التناقض في داخلك؟ لا يوجد أحد إلا يزعجه ذلك، لكن يختلف الناس في التعامل مع ما يزعجهم. كيف؟ أنا أهرب من هذا التناقض بالانغماس في عملي، ومن الناس من يهرب بالخمر أو النساء، ومن الناس من يهرب بالبحث العلمي في هذه القضايا، ومن الناس من يهرب بزيادة التدين. جميل، تبدو صريحًا جدًّا مع نفسك. شكرا لك. لكن يبقى السؤال: هل يوصل الهروب للراحة أم لا؟ أظن أنه مما يتفق عليه العقلاء أن من يعيش من غير دين فسيكون مريضًا؛ ولذا فالهروب هو محاولة للهروب من مرض الإلحاد وظلمته والبعد عن تناقض الدين. إلا من يهرب بالبحث العلمي في هذه القضايا، ألست معي؟ نعم، إلا أنني لا أحب ذلك، لأنه يصيبك بالهم والغم والاضطراب في التفكير. كأنك تقول لا يوجد حل إلا في الهروب؟ نعم ولا. هههه، كيف؟ نعم؛ فأنا لا أعرف حلا إلا في الهروب، ولا؛ لأنه يستحيل أن يتركنا الرب هكذا للضياع والتناقض والهروب. تبدو فيلسوفا لا صيدليا. وهل أتعبني إلا بحثي في الحقيقة، فالأسلوب العلمي يتناقض مع ما أقوله، وأنا تعلمت من الصيدلة ألا أتكلم إلا بأسلوب علمي. البحث عن الحقيقة أو كما أحب أن اسميه طريق السعادة يسعد ولا يشقي. طريق السعادة! تعبير جميل.
عذرا لو قاطعتك، أليست الطائرة باردة؟ أشعر ببرد شديد.
ربما لهذا أُعْطيتَ هذه الحقنة التي معك، كيفك الآن؟ البرد يزيد، وأشعر بإعياء، لكن لا عليك سأتحسن بعد قليل، هل أعجبك طريق السعادة؟ دعني من طريق السعادة، هل يمكن أن تعطيني الحقنة وورقة الكشف الطبي؟ تفضل.
لا بأس، سأعطيه الحقنة بنفسي؛ فأنا أخذت دورة متقدمة في الإسعافات الأولية، بالإضافة لكوني صيدليا، لكنه سيدخل في غيبوبة، وأعتقد أنه لن يقوم منها إلا بعد وصولنا، فهل من الممكن أن تطلبوا له سيارة إسعاف تنتظرنا في مطار لندن. يبدو الموضوع خطيرًا، لكن لا حاجة لذلك؛ فزوجتي تنتظرني بسيارة إسعاف، وأظنك تبالغ قليلا. لا أبالغ، لكن لا أريد أن أتجاوز الأسلوب العلمي في التعامل مع القضايا.
حمدا للرب على سلامتك حبيبي. أين أنا؟ أين الصيدلي؟ أنت في المستشفى في لندن، ولكن من هذا الصيدلي؟! في المستشفى؟! أين الراكب الذي كان بجواري في الطائرة؟ آه فهمت، لم يذهب حتى استلمتك في سيارة الإسعاف، واطمأن عليك، وأخذ عنوانك وذهب، الحمد للرب على سلامتك. آه.. كيفك حبيبتي؟ اشتقت لك كثيرا، وأعتذر عن إتعابك وإزعاجك، لم أكن أظن الأمر بهذه الدرجة. قرأ الطبيب تقاريرك السابقة، وأخذ عينات من الدم، وقاموا هنا في المستشفى بعمل أشعة، وقالوا بأنهم سيتأكدون من التحاليل غدا. ومتى سنذهب إلى البيت؟ لا أدري، بعد خروج نتيجة التحاليل. قالوا: سنحدد لكم المتوقع، وعلى كل الأحوال لن يقل بقاؤك هنا عن أسبوع كما قالوا. أسبوع؟! ليس المهم الأسبوع، المهم أنهم طمأنوني على صحتك، واستغربوا كيف لم تبق في المستشفى هناك؟ طلبوا مني ذلك وحاولوا، لكني رفضت.. ماذا هناك؟ سآخذ إجازة وأجلس معك، ربما كانت هذه مناسبة لنجلس معا؛ فأنا مشتاقة للجلوس معك. وأنا مشتاق لك كثيرا، لكني أود أن أخرج معك للبيت. ستخرج قريبا فلا تقلق حبيبي.. هل زرت كنيسة القيامة؟ نعم.. فقد وعدتك أن أزورها، وزرت أيضا كنيسة مريم عليها السلام. يا سعادة كل من صلى في هذه الكنيسة المباركة، كم أتمنى أن أزور كنيسة القيامة. لقد صليت فيها من أجلك كما وعدتك، لكن أي سعادة في هذا؟
لا أعرف سعادة أكثر من أن تنخرط في عبادة الله. كذلك يقول اليهود المتدينون، حتى لو كانت عبادتهم وأعيادهم أحزان وبكاء! صحيح، لكن هم يعبدون الله على دين نُسخ وانتهى بظهور المسيح عليه السلام، بل حاربوه وقتلوا المسيح وعذبوا أتباعه. لكن ألا يؤمن المسيحيون بالتوراة باعتبارها العهد القديم؟ بلى. وكيف تقولين لي إنه دين انتهى بظهور المسيح عليه السلام؟ تبدو متحمسا لليهودية، إنه انتهى كدين، وبقيت تعاليم التوراة نسترشد بها. لكن كيف تؤمنين وتسترشدين بتعاليم محرفة؟ محرفة! من قال لك ذلك؟ جاء في التوراة عن بنات شيلوه: “فَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: انْطَلِقُوا إِلَى الْكُرُومِ وَاكْمِنُوا فِيهَا. وَانْتَظِرُوا حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ فَانْدَفِعُوا أَنْتُمْ نَحْوَهُنَّ، وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَةً وَاهْرُبُوا بِهِنَّ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ”، فهل تعرفين من هن بنات شيلوه؟ وهل تؤمنين بأن مثل هذا النص من الله؟ أعرف من هن بنات شيلوه جيدا، ولا أود أن أتكلم في ذلك، يفترض أن يشرح لنا ذلك القساوسة والباباوات. وجاء في التوراة أيضا: “قالَ الرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ: على كُلِّ واحدٍ مِنكُم أنْ يحمِلَ سيفَه ويَطوفَ المَحلَّة مِنْ بابٍ إلى بابٍ ويَقتُلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ”، فهل يمكن أن تكون هذه القسوة من الله؟ أود أن تغير الموضوع لو سمحت، أعرف هذه النصوص وكثيرا مثلها، ولا أحب مناقشتها، كما أني أود أن ترتاح الآن. لماذا؟ قلت لك لا أحب نقاش هذا الموضوع.. أظن أنّ لديك وقتًا لا بأس به في المستشفى للبحث والقراءة. صدقت، المهم أن يكون جهاز حاسوبي المحمول معي، كما أنني أود شراء بعض الكتب، فأنا أود أن أقرأ عن المسيحية وفرقها. رائع، فربما تتحول للكاثوليكية. ربما! وقراءاتك هذه ستكون مقدمة وتجهيز جيد لسفرنا، أنسيت يا حبيبي؟ لم أنسَ، سأحاول غدا مع الطبيب أن يكون في أقرب وقت، لكني سأحاول أن أستغل جلوسي وأشغل نفسي بالقراءة. لا تأخذ هم الجلوس، سأكون معك وسنستمتع بالجلوس والحديث معا. كم أحبك يا كاترينا. وأنا كذلك، هل تسمح لي بأن أنصرف الآن وآتيك غدا؟ فقد اقترب المساء، وأنا من أمس هنا. آسف، فقد أتعبتك معي، أنتظرك غدا حبيبتي، المهم أريد حاسوبي وهاتفي بجواري؛ لإكمال بعض الأعمال. سأضع حاسوبك وهاتفك على الطاولة التي بجوارك، لكن بشرط ألا ترهق نفسك، أريدك أن ترتاح حبيبي، أراك غدا.
«.. فإن لم تسعد الروح مع البدن، فما سميته سعادة البدن هو شقاء البدن والروح، وستبقى هذه الفلسفة فلسفة سوداء، تفترض أن الحياة شقاء لا سعادة فيها، فهل خلقنا لنشقى أم لنعيش في سعادة؟! إن النظر إلى أننا خلقنا للشقاء أقرب للمنهج الإلحادي الذي يتهم الرب بكل نقيصة، أو للديانات الأرضية الوثنية البعيدة عن فهم طبيعة الإله وطبيعة البشر وطبيعة الدين، أو للأديان التي تأثرت بالوثنية بسبب تحريفها، وعموما هذه النظرة تنبئك عن شقاء صاحبها وصراعاته الداخلية أكثر مما تنبئك عن رأي علمي أو فلسفي أو ديني... يفترض أنك وصلت، وبعد استراحتك من السفر يمكن أن ألقاك ونتناقش في ذلك».
مرحبا آدم، أنا الآن في لندن لكني في المستشفى، ولذا لا أستطيع مقابلتك، فهل يمكن أن تزورني لنكمل فلسفتك ونقاشنا؟ سلامات.. سأزورك، ولن أزعجك بنقاشاتي أو فلسفتي كما تسميها، وآمل ألا أكون فيها ثقيلا. لم أقصد، حقيقة أنا أستمتع بالنقاش معك وبفلسفتك، فآمل ألا تفهمني خطأ. وأنا لم أقصد أني غضبت من كلامك، فالمسألة بسيطة وأنا أحب البساطة، وسأحاول أن أزورك غدا في الزيارة المسائية. أنتظرك آدم، فقد اشتقت لحواراتك. هههه، ألقاك غدا، فيبدو أنك تخلط بين الشوق للحوار والشوق للقهوة التي أقدمها عادة لك، مع السلامة.
متى سيأتي الطبيب؟ الساعة التاسعة صباحا يمر الطبيب على كل المرضى في القسم، المهم إذا شعرت بأي حرارة أخبرنا سريعا، ونحن سنقيس الحرارة كل ساعة تقريبا ابتداء من الساعة الثامنة، التي عندها ينتهي مفعول الحقنة التي أخذتها. شكرا لك، يبدو أن موضوع الحرارة خطير ومتوقع بشكل دوري. المهم إذا شعرت بالحرارة في جسدك أو شعرت بالبرد فأخبرنا سريعًا. حسنًا حسنًا.
هل من الممكن أن تعرفني بحالتي بوضوح لو سمحت؟ تحليلنا إلى الآن هو نفس التحليل السابق الذي قدم لك في القدس. عذرا، لا أعرف نتيجة تحليل القدس، فما هو؟ هناك فيروس غريب وصل لخلايا المخ، وفجأة وبدون سابق إنذار يقوم برفع الحرارة بشكل كبير، ولذا نضطر لإبقائك في المستشفى رغم أنك في الحالة الطبيعية لا تعاني من أي شيء، فإذا ارتفعت حرارتك نضطر لإعطائك حقنة مهدئة ومخفضة للحرارة، يستمر مفعولها من يوم إلى يومين. وإلى متى أجلس في المستشفى؟ حاليًا لا أدري، عموما هناك تحاليل أخرى لا نزال ننتظر نتائجها، وستظهر خلال اليومين القادمين، وعلى أسوء الأحوال نتوقع ألا يزيد ذلك عن أسبوعين، ما لم يأت شيء طارئ. وما أسباب هذا الفيروس؟ غير معروف حتى الآن، ولكن اطمئنّ، سنحاول أن نوفر لك كل وسائل الراحة، وسنوافيك بالمعلومات أولا بأول، أعتذر لك، هذا كل ما نعرف عن مرضك حتى الآن. أنا شاكر لك حسن تعاملك.
ما أكثر ما يسعدك يا مايكل في الحياة؟ أن ألعب معك يا بابا، وأحبّ كرة القدم أيضًا. وأنت يا سالي؟ وأنا أيضًا أحب أن ألعب معك يا بابا، وأحب أن ألعب بالعرائس. وأنا أحبّ اللعب معكما، لكن هل يسعدكما شيء آخر غير اللعب؟
أحيانًا أشعر بالسعادة ولا أدري لماذا؟ وأحيانا أشعر بالتعاسة ولا أدري لماذا؟ لماذا يا بابا؟ وما هو السبب برأيك يا مايكل؟ ربما تكون السعادة بسبب أني ساعدت زميلي أو صديقي، والتعاسة بسبب فعل سيء قمت به.
تعنين حب الخير للناس، حتى ولو لم نفعل شيئا يا ماما. نعم، ومثله كره الناس وتمني الشر لهم، حتى لو لم تفعل لهم شيئًا.
مايكل: لأنهم أغبياء. سالي: أو لأنهم لا يعرفون. كاترينا: أو الاثنين معا يا أحبائي، بالإضافة إلى أن الهداية والتوفيق للخير والسعادة نعمة من الرب. جورج: ولذا من المهم أن نسعى في طريق السعادة. مايكل: سمعتك تقول لأمي أنك ستسافر للقدس؛ للبحث والتعرف على طريق السعادة، فهل طريق السعادة في القدس فقط؟ هههه، لا يا بني كل ما في الموضوع أني أبحث عن الحق، وقد وافق سفري للقدس توقيعي لعقد عمل هناك، فكنت أتعلم وأتعرف وأستفيد من الناس.
لا أحب سكان القدس.
ولماذا؟ زميلة لي في المدرسة تقول إن أهلها يذهبون إلى إسرائيل في القدس، وتقول إن إسرائيل كلها قتل للناس وسجن وتعذيب وتفجير، ولذا فأنا لا أحبها ولا أحب سكان القدس.
يوجد في القدس أناس طيبون جدا من كل الأديان من المسلمين والمسيحيين واليهود. سالي: إذن أنا لا أحب ليفي اليهودية، فهي تحب هذا القتل والسجن. جورج: ومن هي ليفي؟ زميلتي اليهودية التي في المدرسة. جورج: أحسنت، من الجيد يا أبنائي أن نحب ونبغض الناس حسب مبادئهم وأخلاقهم، لا حسب أشكالهم أو بلدانهم. مايكل: وأنا لا أحب زميلي ديفيد، فهو لا يتحدث إلا عن الخمر.
وماذا في الخمر يا مايكل؟ لا أعرف، كل ما أعرفه أنها تفقد الواحد عقله.
أحسنت يا مايكل، وهي كذلك محرمة في ديننا كما جاء في العهد الجديد: (خمرا ومسكرا لا تشرب)..
هل قابلت الطبيب يا جورج؟ نعم. هل من جديد؟ لا جديد، يبدو أنه نفس تحليل مستشفى تل أبيب، لكنني لم أكن أعرف التحليل الذي في تل أبيب. غريب، ألم يخبرك الطبيب هناك بنتيجة التحليل؟ من الخدمات التي قدمتها لي الشركة هناك، أنّ إحدى موظفاتها هي التي راجعت المستشفى، ولذا فليفي هي التي عرفت نتائج التحاليل، وحاولت أن أعرف فرفضت ولم تخبرني؛ حتى لا تخيفني. ظهرت الغيرة في وجه كاترينا، وقالت: تبدو ليفي جميلة وحريصة على مشاعرك جدا!! سالي: إن كانت يا بابا كزميلتي ليفي فهي ليست جميلة ولا طيبة. جورج: كانت ليفي طيبة جدا وجميلة. كاترينا: اليهوديات لديهن الجنس سهل كما في العهد القديم. مايكل: هل العهد القديم يحث على الجنس يا ماما؟ كاترينا: كنت أمزح يا مايكل، ثم التفتت إلى جورج، وقالت: أليس كذلك يا جورج؟! نعم.. نعم أمك تحب المزح كثيرا.. لا يوجد دين حق يحث على قتل الناس أو شرب الخمر أو الجنس الفوضوي أبدا، ولا يؤمن بهذا أحد على دين حق.
سأنصرف الآن يا جورج؛ لأوصل الأولاد إلى البيت فقد تأخرنا، وسأعود مباشرة لك. أنتظرك حبيبتي.. ثم التفت لطفليه، وقال:كما أتمنى أن تزوراني كل يومين على الأقل يا أبطال، أحبكما..
«لا يزال صديقي الباحث مصرًّا على أن يتعرف على طريق السعادة، وقد تعلمت منه الدروس التالية: أن الأمور الكبيرة؛ كالبحث عن السعادة تحتاج لجهد كبير وامتحان كبير. أن الإصرار يخلق الفرص، فكلما زاد صديقي في إصراره تولدت أمامه فرص التعلم والتعرف. أكبر نصر ونجاح يحققه الباحث عن السعادة هو انتصاره على نفسه، وليس انتصاره في أحداث الحياة. رغم قوة إصرار صديقي وعزيمته، لكن أخوف ما أخاف عليه أنه يعرف كل ما لا يريده، ولكنه لا يركز على ما يريده بشكل كافٍ. وانتظروا باقي الدروس قريبا.. تحياتي لكم جميعا آدم»
هل تشعر بالبرد؟ قليلًا، ربما انخفضت درجة الحرارة. درجة الحرارة ثابتة، استرح على سريرك، سأتصل بالطبيب وآتيك بالحقنة سريعًا، دقيقة فقط.
هذه الحقنة الجديدة التي كتبها لك الطبيب. الجديدة؟! نعم هي أطول مدة من السابقة، لكنك ستفقد الوعي تماما، أعتذر إليك، يفترض أن أسرع في إعطائك إياها، هل من الممكن أن تمد يدك؟
مرحبا، أَأَنت زوجة جورج؟ نعم، أنا كاترينا، تفضل، من أنت؟ أنا كاخ زميل جورج في العمل، رددتِ عليَّ بالأمس، وأخبرتِيني أنه في المستشفى، كيف حاله؟ بخير.. يبدو أنه مصاب بحمى، وارتفاع في درجة الحرارة، فأعطوه حقنة مهدئة وخافضة للحرارة؛ فنام وفقد شعوره بمن حوله. لا تبدين أنك بريطانيّة! أنا بريطانية من أصول هندية. هههه، الجمال الشرقي واضح، ربما لذلك كان جورج مستغنيًا عندما ذهب للهند. مستغنيا عن ماذا؟ مستغنيًا عن الفتيات الهنديات، هههه، عموما أهنئك، يبدو أنك فتنت جورج بمحبتك.
أول مرة أراك فيها، ربما كان جورج يخفي جمالك عني، عموما أنا محظوظ أن تشرفت بمعرفتك، ولدي استعداد أن أخدمك بما تريدين، وإن أردت العمل معنا في الشركة فنحن في خدمتك. شكرا لك، أنا معلمة أديان، ومتفرغة لخدمة الكنيسة. لدينا قد يكون المقابل المادي أفضل وأظنه أكثر راحة. أنا متفرغة للكنيسة، ولا أود أن أنتقل من عملي. الأمر إليك فكري، حقيقة جورج خدم الشركة كثيرًا ومجلس الإدارة منبهر من جودة منجزاته خاصة بعد سفره الأخير إلى تل أبيب، تخيلي.. في رحلتين متتاليتين استطاع أن يوقع في كل منهما العقود المطلوبة، وببراعة كاملة، وبرضا كامل من العملاء. ربما كان هذا بتوجيهاتك؛ فأنت مديره. ربما، ولا أظن، خاصة في موضوع النساء
عفوا.. هل هذه غرفة جورج؟ نعم، وهذا هو، إنه في حالة غيبوبة، وأنا زوجته، تفضل من أنت؟ أنا صديقه آدم، وقد كلمني اليوم وكان بصحة وعافية، فما الذي جد عليه؟ مرضه يتجدد فجأة، وترتفع حرارته؛ مما يستلزم إعطاءه حقنة مهدئة ومخفضة للحرارة، تجعله في غيبوبة تامة. كم آسف لحالته، هل هناك شيء أستطيع أن أساعد صديقي به؟ شكرا لمشاعرك النبيلة، تفضل اجلس. شكرًا لكِ.
عذرا..لم أتعرف إليك؟ أنا كاخ، مدير جورج في الشركة، وأنت ما عملك؟ أنا آدم نادل في مقهى، وصديق جورج. نادل؟!
بإمكانك أن تسأله عندما يفيق! وإن كنت أعتقد أن الصداقة تنبني على التقارب النفسي والروحي والفكري لا التقارب المالي!
لا عليك يا آدم كلمني عنك جورج كثيرا.. وهو سعيد جدا بصداقتك وبرأيك وحكمتك. هذا من حسن خلقه وأدبه.. ثم نظر لكاخ وتابع: وإلا فهو مهندس وتقني كبير، وأنا مجرد نادل!
فعلا!! كاخ آمل أن تحترم صديق جورج لو سمحت. هههه، تقولين لي ذلك من أجل رجل دخله لا يتجاوز دخل عامل النظافة عندي. هو صديق جورج، ثم المال ليس كل شيء، هل تعتقد أن الناس يُقيَّمون بالمال؟ تبدين مثل جورج.. أما أنا لا يشرفني أن أجلس مع نادل، المهم يا كاترينا عرضي ما يزال قائما بالعمل لدينا.. هذه بطاقتي وفيها رقمي، وإن أردت أي شيء فاتصلي بي، إلى اللقاء.. وتمنياتي لجورج بالشفاء. أعتذر إليك يا آدم عن كل ما قيل. لا حاجة للاعتذار، فقيمتي في داخلي، وليس بما يقوله أحد عني، ثم أنتِ لم تقولي شيئا لتعتذري. يبدو مع جورج كثير من الحق فيما قاله عنك لي. أشكرك، فهذا من حسن خلقك وخلقه. أخبرني كثيرا عن تدينك وعن حكمتك ونصحك. جورج باحث عن الحق بصدق، وسيصل؛ فالله الكريم لا يخذل شخصًا يريد الوصول إليه. كلام عميق في الثقة بالرب، لكن ألا تخاف من أن يترك كل الأديان لما يرى من تناقضاتها؟ لا أظن. لماذا هذه الثقة؟ لا يوجد في الدين الحق تناقضات، وسيصل إليه. هل أنت كاثوليكي أو بروتستانتي؟ هل تسمحين لي بعدم الإجابة؟ الأمر إليك هو مجرد سؤال. سأزور جورج لاحقا، سأستأذن الآن إن سمحتِ. سيسعد جورج كثيرًا بزيارتك له غدا، فلا تتأخر. سأحاول غدا أو بعد غد، وسأتصل به غدا على كل حال؛ لأطمئن عليه، إلى اللقاء.
كيف صحة فيلسوفنا؟ مرحبا توم، للأسف جاءته حمى مفاجئة؛ فأعطوه إبرة مهدئة، وهو الآن في غيبوبة. أتمنى له الصحة والعافية، جورج مثال نادر، ورغم أني كثير المشاكسة له، إلا إنني أستفيد منه أكثر مما أفيده. أنت طبيبه، وقد تحسن كثيرا منذ بدء زياراته لك. بل أنا الذي تحسنت كثيرًا، ربما لا تعرفين أنتِ ولا جورج أنني كنت طبيبًا لعوبًا، همي النساء والمتعة، ولا أدري لماذا فلسفة جورج وقراءاتي في الأديان في هذه الفترة، وزياراتي للكنيسة معك غيرت حياتي؟ وبالمناسبة أعتذر عن القبلة التي قبلتك إياها، صدقيني لم أكن أقصد ولا أدري لِمَ فعلت ذلك؟ انتهى الموضوع تماما، ربما كان الخطأ الأكبر مني أنا؛ فقد أسرفت في الشراب اللعين في ذلك اليوم. على كل حال نحن نحب أن نفلسف أخطائنا بأننا لا ندري أو أننا مجبرون، دعينا من ذلك، أخبريني، ماذا يقول الطبيب عن حالة جورج؟ تبدو الأمور غير واضحة تمامًا، وأتمنى أن تتضح للفريق الطبي خلال اليومين القادمين. سيكون بخير وسيحميه الرب.
جورج حبيبي لقد استيقظت. منذ متى وأنا هكذا؟ منذ ثلاث ساعات، وقد أخبرتني الممرضة بأنك أخذت الحقنة قبل مجيئي بقليل، الحمد للرب على سلامتك.. ثم التفتت لتوم، وقالت: هذا طبيبك جاء يرحب بك ويطمئن عليك. كيف حالك جورج؟ بخير، كيف حال طبيبي؟ بخير حال، سألتُ كاترينا عن صحتك، وطمأنتني عليك، ولا أريد أن أرهقك، سآتي لاحقًا لزيارتك. أنا في المستشفى، فمتى الجلسة القادمة؟ متى أردت، وستكون هنا في غرفتك. جيد، إذن يكون خلال الأيام القريبة القادمة. إن كان لديك وقت في المستشفى فأتمم قراءتك في الأديان السماوية؛ حتى تكون جلستنا أكثر قوة. جميل، اتفقنا.
لقد بدأ في ذلك من الأمس. رائع جدًّا يا جورج. وسأحاول أن يكون بقية وقتي الطويل هنا في النقاشات.. ثم التفت لكاترينا وابتسم، وقال: إلا إنها لا تحب النقاش وتقفله سريعًا.
أعدكم أن أحاول ألا أقفل النقاش. هههه، جيد، وسأزورك أكثر من مرة، إن تيسر لي؛ لأتناقش معك، تمنياتي لك بالشفاء، أستأذنكم في الانصراف.
أعتذر لك حبيبي عن قطع النقاشات، لكن ساعدني لئلا أقوم بذلك. لقد كنت أمزح. لكن معك الكثير من الحق.. كنت سأسألك: من هذا الوقح كاخ الذي يقول إنه مديرك؟ وماذا في كاخ؟ لقد حضر اليوم، وكم كان وقحًا أخلاقًا وتعاملًا، ولولا مراعاتي لك لطردته. مراعاتك لي..! بإمكانك طرده، كم أكرهه، ولكن ماذا فعل؟ عينه ونظراته وقحة، كلامه وقح، تصرفاته وقحة، روحه وقحة، تصور إنه كان يزدري آدم؛ لأنه نادل وهو مدير! ويتكلم مع الممرضة بوقاحة! وهل جاء آدم؟! نعم، وقد أساء له كاخ، لكنه كان في غاية الأدب. يبدو لي أحيانا أن آدم الصورة العكسية لكاخ. رغم سنه الذي لا يبدو كبيرا، ورغم وظيفته؛ إلا إنه يتكلم بحكمة الشيوخ والفلاسفة. إذن صدقت فيما قلته لك سابقا عن آدم؟ بل صدقت في كل ما قلت لي، وما لم تقله، أنا أحبك يا جورج، أخبرني كاخ أنك عكسه خاصة في التعامل مع النساء، وأنا أعرف وقاحته وأدبك. وأورميلا الفاتنة، وليفي الجميلة؟ أنا واثقة بك جدا يا حبيبي، صدقني أنني واثقة بأخلاقك، فهل أنت واثق بي؟ نعم. وسهراتي مع توم؟ أخبرني توم بما حدث بينكما في آخر سهرة. صدقني لا أعرف كيف حدث ذلك؟ آه.. كثير من أخطائنا تقع ولا نعرف كيف وقعت؟ أنا واثق بدينك وخلقك حبيبتي. أنا أحبك جورج.
يجب أن أنصرف الآن، وسأعود غدا. أنتظرك غدا؟ وقد وعدتيني بالمناقشة، وسيكون مما سأناقشك فيه ما جاء في الإنجيل: (خمرا ومسكرا لا تشرب). اتفقنا حبيبي، وسأكون صريحة معك في ذلك. اتفقنا حبيبتي.
مرحبا كيف درجة حرارتك الآن؟ هاه، أنا الآن أحسن وأفضل. توقعنا أن تفيق قبل موعدك. بالفعل.. لقد أفقت قبل فترة، لكنني كنت متعبا؛ فاستمررت في إغلاق عيني. لا بأس، درجة حرارتك الآن جيدة، أستأذنك. شكرا لك، وأعتذر عن قلة ذوق ضيفي معك، فقد أخبرتني زوجتي بما حدث. لم أكن أنا، وإنما زميلتي، وعمومًا اعتدنا على وجود عينات مثله، فلا تشغل نفسك بذلك، وأشكرك على حسن تعاملك.. اسمي زينتا، وبإمكانك أن تطلبني في أي وقت تريدني لخدمتك. زينتا اسمك غريب قليلا! أصولنا من النمسا وليس من بريطانيا. أعرف نمساوية طيبة مثلك تماما. عجيب، قلائل النمساويين في بريطانيا. ليست ليفي من بريطانيا، بل تعرفت عليها في تل أبيب. يهودية! اليهود أفسدوا أوربا، فصرفناهم عنّا بتسليمهم فلسطين والقدس. يبدو أنك متعصبة ضد اليهود! ربما، لكنك لم تعش مع اليهود كثيرًا.. عمومًا إن أردتني بإمكانك مناداتي في أي وقت، سيأتيك العشاء الآن؛ فأنت لم تتناول الغداء، ويجب أن ترتاح. شكرا لك على لطفك. العفو سيّد جورج.
هل من جديد بخصوص التحاليل؟ لا، خرجت نتائج بعض التحاليل وبقيت تحاليل أخرى، اطمئن لا تقلق. لست قلقًا أبدا، إنما هو سؤال، وماذا عن النتائج التي خرجت؟ ننتظر الباقي قبل الحكم الأخير، فلا أود أن أزعجك، لكن ربما تحتاج لعملية جراحية. عملية جراحية؟! قلت لك لا تقلق، يبقى الشفاء بيد الرب وليس بيدنا وإنما نحن أسباب. صدقني لست قلقًا أبدا، وإنما أنا مستغرب جدًّا أن تصل حالتي إلى هذه الدرجة! أعلم ذلك، تقول لي الممرضة أنك تنشغل دائمًا بالقراءة والمناقشة، وأنها لم ترك مكتئبًا أبدًا، هذا رائع جدًّا.. نحن ننتظر النتيجة غدًا أو بعد غد. أنتظر النتيجة، وأنا واثق أنها لن تأتي إلا الخير. رائع، هل من الممكن أن تبرر لي هذه الثقة العميقة؟ لا شك أن الرب أرحم بنا من أنفسنا. إذن أنت متدين، المتدينون في الجملة أقدر على الراحة والسعادة، فلا يتعبنا إلا المرضى الملاحدة، الذين يعتقدون أن الدنيا هي كل حظهم في الحياة. عذرا،لم أكن أقصد ما قلته، ما أقصده أن ربنا أرحم بنا في الدنيا، وإن كان لما قلته معنى عميق جدا، وهو أن المؤمن لديه امتداد إلى الحياة الأخرى، لكن هذا خاص بأصحاب الديانات السماوية فقط. يبدو أنك فيلسوف، وأنا لدي عمل.. ولكن أخبرني باختصار: لماذا لا يستطيع ذلك صاحب الديانة البوذية أو الهندوسية؟ لأنهم لا يؤمنون أن هناك حياة أخرى، وإنما يؤمنون بأن أرواحهم تنتقل لغيرهم. هههه، عقيدة بدائية، ورغم روعة حديثك إلا أنني مضطر للانصراف، تحياتي لك.
أهلًا آدم، أخبرتني كاترينا بزيارتك شكرًا لك. هل هناك شيء أستطيع أن أساعدك به أو أقدمه لك يا صديقي؟ جميلةٌ كلمة يا صديقي، أنا ممتن لك يا صديقي، صدقني لو كنت أحتاج شيئا لطلبته منك.. آسف تذكرت شيئا أريده منك. تفضل، فأنت تسعدني وتشعرني بأننا حقيقة أصدقاء. طلبي أن أراك، فلدي نقاشات كثيرة أريد أن أثيرها معك. سآتيك غدًا، وليس اليوم؛ أعتذر لك، ولكن لدينا اليوم عمل مضاعف في المقهى؛ نظرًا لغياب موظف آخر. حسنًا.. لا بأس، أنتظرك غدًا.
كيف أصبح حبيبي اليوم؟ بخير وأحسن حال، كيف حالك أنت؟ حمدًا للرب على نعمته. أي نعم الله تجدينها عندك؟
نعمة التدين وانشغالي بأعمال الكنيسة.. و.. ونعمة أنك زوجي. إذن التدين في نظرك نعمة؟! أفي ذلك شك؟ ليس أسوء من أن تكون بلا رب تسكن إليه! فما بال الملاحدة في نظرك؟ بصراحة وبدون مجاملة.. رأيي أن الإلحاد مرض قبل أن يكون دين، مرض في النفس والروح، ومرض في العقل والمنطق، ومرض للكون والخلائق. أتفق معك تماما، ولكن ما النعمة في أن زوجك مريض؟ أقصد أنك زوجي، ولم أقل نعمة أنك مريض. وما النعمة في ذلك؟ هناك رجال لا يقدرون المرأة ويهينونها، وليسوا رجالًا أوفياء مثلك يا حبيبي. أليست إهانة المرأة مرتبطة طرديًا بالتدين؟! كيف؟ كلما زاد التدين ازدادت إهانة المرأة. مرة أخرى، من قال لك ذلك؟
تعاليم اليهودية تصف المرأة بأقبح الصفات. أنت تقول اليهودية، فلماذا تعمم ذلك على المسيحية؟ أليس بولس يقول في رسالته الأولى إلى كورنثوس: (لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ). تبدو اليوم عالمـًا لاهوتيًّا! ألم أقل لك أني سأتفرغ للقراءة عن المسيحية خلال مكثي في المستشفى، ألم يقل توم لي ذلك أيضا في وجودك؟ جيد.. فهذا سيزيد من تدينك.. وقد يحولك للكاثوليكية بدلًا من البروتستانتية. ربما، لكن لنعد لموضوعنا، بصراحة أليس وضع المرأة مزريًا في النصرانية كما هو في اليهودية؟ وعدتك بالصراحة، وأن أستمر في النقاش؛ ولذا سأستمر رغم كراهتي له. لا أريدك أن تستمري فيما تكرهين، وثقي أنّني أعذرك. لا سأكمل، فأنا أرى أنه كما تحتاج أنت للتسليم للرب، فأنا أحتاج للعقل والتفكير. أتفق معك، لا إيمان بلا تسليم للرب، ولكن الرب العادل لا يمكن أن يكلفنا بمتناقضات أو بما تستحيله العقول أيضا. كيف؟ هل يمكن أن يأتي دين حق بشيء تستحيله العقول؟ مثل ماذا؟ مثل أن الرب ضعيف، أو أنه يحتاج إلى عباده، أو أنه يقتله عباده، فكيف يكون ربًا؟! رغم تلميحاتك الخطيرة، إلا أنها حجة مسكتة. أي تلميحات تقصدين؟ ليس هذا موضوعنا، موضوعنا المرأة في المسيحية، أليس كذلك؟ بلى.. بصراحة.. كم تمنيت لو كنت رجلًا، فالمرأة في المسيحية في مرتبة أدنى من الرجل. أوه، مثل اليهودية؟ ربما، وربما بدرجة أقل، التوراة والتلمود المحرفان فيهما تعاليم فجّة جدًّا، بل هي مليئة بالخيالات الجنسية التي لا تطاق.. أما الإنجيل ففيه أن المرأة أقل من الرجل، وفيه بعض الأمور السيئة في حق المرأة لكنه لا يصل إلى تدني اليهوديّة. لقد عرفت نصوصًا فجة في العهد القديم. مثل ماذا؟ المرأة تورث كالمتاع: “إذا سكن إخوة معا، ومات واحد منهم، وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت لرجل أجنبي. بل أخو زوجها يدخل عليها، ويتخذها لنفسه زوجة، ويقوم لها بواجب أخي الزوج»، والمرأة لا ترث: “وتكلم (بني إسرائيل) قائلا: أيّما رجل مات وليس له ابن فانقلوا ملكه إلى ابنته»، وعن المرأة الحائض: «وكل من مسّهنّ يكون نجسا؛ فيغسل ثيابه، ويستحم بماء، ويكون نجسا إلى المساء»... يكفي أم أكمل؟ يكفي، يكفي.. فالحقيقة أن المسيحية حررت المرأة من كثير مما كانت عليه في اليهودية، رغم وضع المرأة المأساوي لدينا أيضا؛ لكن وضعنا تحسن عما كنا عليه في اليهودية. كيف؟ أعطى للمرأة حقها؛ فمثلًا كان اليهود في عهد المسيح يُصرحون بالطلاق لأتفه الأسباب، حتى لو أفسدت المرأة الطعام، فنادى المسيح بعدم الطلاق إلا لعلة الزنا، وبذلك حررها من سلطان الرجل الذي يُطلقها لأي سبب وفي أي وقت، وأمنها من عبثه. جيد.. هل من الممكن أن تكملي بأمثلة أخرى؟ في الحقيقة الكتاب المقدس كما هو مليء بنصوص كالتي ذكرت؛ إلا أنه أيضا مليء بنصوص أخرى تعطي دلالة على إكرام المرأة. وما هي النصوص الحقيقية التي جاءت عن الله؟ إذ لا يعقل أن تكون نصوصا متعارضة وصحيحة؟ لقد أثرت موضوعا أصعب، وأنا متعبة من كثرة النقاش، وإلا صدقني لست أتهرب من النقاش. ما الموضوع الأصعب ونناقشه في وقت آخر؟ أي النصوص من الله وأيها من الناس؟ نغلق النقاش الآن ونناقشه فيما بعد. هل ستحدثني عن كنيسة القيامة الآن؟ كما تحبين، ذهبت للكنيسة كما وعدتك، ذهبت في يوم الجمعة، وكان الازدحام في الطريق شديدًا جدًّا..
مرحبا جورج.. مرحبا كاترينا. أهلًا! عرفت بمرضك، فجئت لزيارتك؛فربما تحتاج إليّ. شكرا لك.
أوه كاترينا هنا، كنت أظنك مع توم. ماذا تقصد؟ لا شيء، لا تغضبي سيدتي.
أظن أنّ هذا ليس من عملك أو اختصاصك. ربما، لكن توم كثيرًا ما يتكلم عن كاترينا وجمالها، فلذا توقعت أنها معه.
أنت كاذب وغير مهذب. وقال لي توم أيضًا أنك تود أن تذهب لتورا بورا، فهل هو يكذب علي أيضا؟
لا تدعني أخرج عن طبيعتي، شكرا لزيارتك براد، تفضل اخرج بسرعة؛ فأنا أود أن أرتاح. سأنصرف لكن إياكما أن يتلاعب بكما توم بكلماته المعسولة، فهو متخصص في التلاعب بالكلام، ويمكنكما أن تسألا عن النساء اللاتي تلاعب بهن.. وأنت يا جورج لدي كما تعرف علاج لكل مشاكلك، أنتظر اتصالك، تحياتي.
أكره هذا الرجل. وأنا أبغضه، إنسان بلا مبادئ أو إنسانية. ولكن ماذا يقصد؟ في أيّ شيء؟ هل حقًا تود الذهاب إلى تورا بورا؟ هههه، هل تعرفين تورا بورا؟ نعم.. جبال الإرهابيين في باكستان وأفغانستان، المهم ماذا بشأنها؟
هناك شيء غريب حدث، لقد كان توم يحدثني عن الديانات وعن الإسلام، ثم قال لي مازحًا: لو أسلمت فستذهب لتورا بورا، وفوجئت بمجرد خروجي من عنده ببراد يقول لي: هل ستذهب لتورا بورا؟ هو وتوم كاذبان فيما يقولان لا تصدقهما يا جورج فيما يقولان عني. أعرف كذب براد، أما توم فقد أخبرني عن القبلة، وقال لي إنه لم يكن يقصد شيئا، ولا أدري لم صدقته؟ للأسف كلام توم صحيح، فهذا حصل وأنا أتحمل من الخطأ أكثر مما يتحمل، فلو لم أكن ثملة من الخمر لما تجرأ وفعل ما فعل. ربما أفهم ما فعل توم بأنه تصرف لا إرادي لا يدري كيف فعله، ولكن الغريب إصرارك على شرب الخمر! في الحقيقة.. وأغرب منه كلامك مع ابننا مايكل عن الخمر: (خمرا ومسكرا لا تشرب). بإمكان الإنسان أن يفلسف أو يمنطق أي خطأ يفعله، على الأقل لنفسه، لكني سأكون أكثر صراحة معك ومع نفسي. عذرا على المقاطعة، ماذا تقصدين بفلسفة ومنطقة الخطأ؟ كثيرة هي تعاليم الدين التي لا نعلمها، وكثيرة هي التعاليم التي نعلمها ونخالفها، إلا أن المشكلة أننا لا نود أن نعترف بخطئنا، فنبحث عن تأويل منطقي أو فلسفي أو حتى ديني حتى لا نبدو مخطئين. ولعل أوضح مثال على ذلك الخمر في المسيحية. هل من الممكن أن توضحي لي؟
الأصل أن الخمر محرمة في العهد القديم والجديد، ففي العهد القديم: «ليس للملوك أن يشربوا خمرا، ولا للعظماء المسكر؛ لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة»، وفي العهد الجديد: «ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلأوا بالروح”. جيد، إذن هو محرم في الأصل، فهل لهذا الأصل استثناء أو فرع؟ لا تسخر مني، سأكون صريحة معك، إلا إنه ورد أيضا فيهما أن الأنبياء شربوا خمرًا، ونحن في الكنيسة نتناول الخمر أيضا ونفلسف ذلك بأن عيسى عليه السلام قال عن نفسه في إنجيل معلمنا يوحنا: “أنا الكرمة الحقيقية”، وقال عن أتباعه: «أنتم الأغصان»، وكما تسري عصارة الكرمة في الأغصان لتغذيها، هكذا اتخذ السيد المسيح عصارة الكرمة لتشير إلى دمه المقدس الذي نتناوله، فيسري في عروقنا ليقدس دماءنا وكياننا الداخلي كله، فالسيد المسيح لم يعطنا عصير الكرمة لنتلذذ به ونسكر به؛ بل أعطاه لنا لهدف مقدس كسر طاهر لا يدركه إلا المؤمنون. أوه.. فلسفة إبداعية! كف عن السخرية مني، وإلا فلن أكمل. هههه، حسنًا حسنًا، إذن أصبح شرب الخمر فعلًا مقدسًا! أرأيت كيف نفلسف ونمنطق ما نريد ليكون دينا؟ هذا مقبول جدا في دين وضعي يؤلف أصحابه فيه كما يشاؤون، لكن هذا غير مقبول في دين سماوي من عند الرب. آه، أنت لا تتعب من النقاش، وأنا مضطرة أن أذهب إلى البيت لاستقبال مايكل وسالي، وسأحاول أن أعود إليك مرة أخرى.. وسنكمل نقاشاتنا ولكن خفف عليّ من نقاشاتك فأنا أتفاعل من داخلي معها ولذا تتعبني، خاصة إذا كانت في التناقضات الداخلية في نفوسنا قبل أن تكون في ديننا. أنتظرك حبيبتي، وأعتذر إن أزعجتك، كما أني لا أود أن تكلفي نفسك، فإن لم تتمكني من الحضور اليوم فلا بأس.